زي النهاردة.. في ذكرى ميلاد "حسن وابور الجاز".. فين زمن المسارح؟

كانوا أكثر حظا منا، هؤلاء الذين عاشوا في زمن نجيب الريحاني، كان فى إمكانهم قضاء سهرات ساحرة كل يوم، إما في كازينو "بديعة" أو في واحدة من مسرحيات "يوسف بك وهبي" أو الذهاب إلى مسرح الأزبكية للاستماع إلى الآنسة أم كلثوم، أو البحث عن مكان يلقي فيه محمود شكوكو مونولوجاته، وكان شكوكو نجما كبيرا الى درجة أن تماثيله كانت تباع فى الشوارع أو يتم مبادلتها بالزجاجات الفارغة، فيدور باعة الروبابيكيا صائحين " شكوكو بالقزايز ".
مسارح شارع عماد الدين والأزبكية  والعتبة جعلت من القاهرة عاصمة الغناء والطرب  والرقص الشرقى والمسرح الذى انقرض تقريبا، وبالتالى أنا شخصيا أحسد أجدادانا الذين أتيح لهم السهر فى تلك المسارح وخاصة لمشاهدة مسرحيات الفنان الأسطورى نجيب الريحانى الذى تحل ذكرى ميلاده  ال ١٢٧ فى ٢١ يناير الحالى، وقد رحل بسبب مرض التيفويد عن عمر يناهز الستين عاما فى ٨ يونية ١٩٤٩، ولم يتمكن من الصمود أمام المرض الذى حرمه من مشاهدة آخر أفلامه "غزل البنات" وقد تم تغيير نهاية الفيلم بسبب وفاته، وإن كانت النهاية مزدوجة ما بين السعادة للجيل الشاب المحب "أنور وجدى وليلى مراد" التى عبثت بقلبه ومشاعره وجعلته يحلم بالسعادة التى لم ينلها.
وأثناء حوار لى مع شخصية يهودية مصرية أسلمت بعد ذلك، قال لى إنه عاش قرب المائة عام بسبب حصوله على الدواء المستورد لعلاج مرض التيفويد الذى أصيب به هو الآخر، حيث وصل الدواء الذى كان مخصصا لعلاج الريحانى بعد وفاته بأيام قليلة.
تخيل لو عاد بنا الزمان مائة سنة، وأصبحنا نتجول فى مسارح شارع عماد الدين الذى كان ينافس شارع البيكاديللي فى لندن وشارع  البيكادلي فى باريس، والتايمز سكوير فى نيويورك، من حيث عدد المسارح الغنائية ودور السينما والكازينوهات والبارات وصولا إلى دار الأوبرا العريقة فى الميدان الذى يحمل اسمها الآن وتحول إلى واحد من أقبح ميادين القاهرة، بعد أن حل مكان الأوبرا جراج سيارات متعدد الطوابق، وأمامه التمثال الفريد للقائد العسكري إبراهيم باشا ابن محمد على الذى قاد الجيش المصري فى عشرات المعارك الحربية المجيدة وهو ينعى حاله الآن.
فى شارع عماد الدين لا يزال مسرح الريحانى قائما ومهجورا معظم الوقت، وأضيف إليه شارع باسمه لا يمت للفن بأى صلة، حيث تباع فيه مواتير المياه ومعدات كهربائية، وكان سعداء الحظ من الذين عاشوا زمن الريحانى بوسعهم الاستمتاع بمسرحيا ت يكفى من اسمها ان نتعرف على جمالها، مثل لو كنت غنى، الدنيا لما تضحك، إلا خمسة، حكم قراقوش، حسن ومرقص وكوهين، لو كنت حليوة، كش كش بيه، الرجالة مابيعرفوش يكدبوا، اتبحبح، ابقي المولى، آه من النسوان و حمار وحلاوة، وعشرات المسرحيات الأخرى كتب معظمها رفيق عمره الفنى المبدع وديع خيري، ولم يتم تسجيل أى من مسرحيات الريحانى مع فرقته التى كانت تصم عملاقة التمثيل، وإن عرضت بعد ذلك وتسببت فى شهرة ومجد عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس وابن بديع خيري عادل خيري وماري منيب.
ولحسن الحظ أمكن للسينما ان تلحق بموهبة الريحانى فى عشرة أفلام يعرض منها سبعة فقط، ويبدو ان الافلام الثلاث الاخري فقدت، وأصبحت شخصية الاستاذ حمام فى غزل البنات وحسن وابور الجاز فى لعبة الست من الشخصيات التى لا تنسى فى السينما المصرية، إضافة إلى بقية الشخصيات التى أداها فى بقية الأفلام وكان دائما يختار شخصية المصري الغلبان الفقير الذى يمكن ان تضحك له الدنيا بالمصادفة لانه بسيط وأمين.
وإذا سألت أحدا عن ديانة الريحانى وبديع خيري فلن تجد إجابات صحيحة دائماً، فبديع المسلم عز عليه أن يموت رفيقه المسيحي دون أن يكملا حياتهما فى الآخرة، فهو الذى كتب "اللى الأوطان بتجمعهم .. عمر الأديان ماتفرقهم".
كان ذلك فى الزمن الجميل أيام الأستاذ حمام الذى مايزال يبكينا ويضحكنا إلى اليوم والأغلب أنه سيظل يفعل ذلك مع أولادنا وأحفادنا.
الفيديو : السادات ينعي الريحاني 

تسجيل نادر للرئيس السادات وهو يرثى نجيب الريحانى فى كلمة له


 
 
 
 
 
 
 
التعليقات