٢٢ فبراير ١٩٥٨ الوحدة المصرية السورية.. "من الموسكى لسوق الحمدية"

لمدة ثلاث سنوات ونصف تقريبا كانت مصر وسوريا بلدا واحدا متحدا ، تحت رئاسة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ، فيما اصبح رئيس سوريا شكري القوتلى الذى وقع على اتفاقية الوحدة مع جمال عبد الناصر المواطن الاول ، وتم توحيد الجيشين   تحت قيادة واحدة للمشير عبد الحكيم عامر ، واصبح يشار الى الجيش الاول باعتباره الجيش السوري ، والجيش الثانى هو الجيش المصري ، وبعد ان انشأت مصر الجيش الثالث بعد الانفصال عن سوريا فى ٢٨ سبتمبر ١٩٦١ ، اصبح لديها  الجيشين الثانى وقيادته فى الإسماعيلية والجيش الثالث وقيادته فى السويس ، فيما ظل الجيش الاول وقيادته فى دمشق وهو الجيش السوري ، وظلت مصر والى الان تحتفظ بمسمى الجيشين الثانى والثالث. ، وهذا هو السبب فى عدم وجود مسمى الجيش الاول فى مصر الى الان .
ماهى قصة هذه الوحدة ببن مصر وسوريا ولماذا انتهت بالانفصال ؟ لكى نجعل القصة الطويلة قصيرة للغاية ، نتوقف امام عدة محطات تاريخية :
كانت مصر تعيش عصر المعارك الكبري ، تأميم قناة السويس فى ٢٦ يوليو ١٩٥٦ ، وفشل العدوان الثلاثى " البريطانى والفرنسي والاسرائيلي " فى احتلال القناة  وإعلان جمال عبد الناصر " سنقاتل ولن نستسلم " ووقوف العالم الى جانب مصر وإجبار الدول المعتدية على الانسحاب دون ان تحقق أهدافها ، وتساهم مصر فى انهاء عصر الاستعمار وإنشاء مجموعة الحياد الإيجابي التى تحولت الى مجموعة عدم الانحياز ، وتصدت مصر لحلف بغداد الذى حاولت بريطانيا من خلاله حصار مصر وسوريا التى وقفت الى جانب مصر ايام العدوان عليها  وتم تدمير خطوط النفط الى أوروبا ، وخرجت المظاهرات العاصفة فى معظم المدن السورية تطالب بالحرب الى جانب مصر .
خرج جمال عبد الناصر من تلك الحرب منتصرا سياسيا والاهم شعبيا فى مصر والعالم العربي ، وكانت خطبه التى تذاع عبر إذاعة صوت العرب ملهمة للشعوب العربية فى الدعوة للوحدة العربية الشاملة ، ومع نجاح مصر فى حماية استقلالها ، وقيام مشروعات اقتصادية وصناعية كبيرة وتطبيق الإصلاح الزراعى والاستعداد لبناءالسد العالى وعقد صفقات سلاح مع الاتحاد السوفيتى ، وصعود مكانتها العربية والدولية ، كانت اكبر ردود الفعل الأكثر تأييدا وترحيبا وسعادة فى سوريا ، وتصاعدت المطالب الشعبية بالوحدة مع مصر ، خاصة فى ظل حلف بغداد ، والتدخل الاميركى العسكري فى لبنان .  وحسم قادة الجيش السورى الصراع السياسي فى سوريا خاصة مع حزب البعث الذى كان ومايزال يضع الوحدة العربية ضمن شعاراته الثلاث الاساسية ، وفجأة هبطت طائرة سورية فى مطار القاهرةفى أوائل فبراير  وعلى متنها حوالى ٢٠ من كبار قادة الجيش السوري طلبوا مقابلة جمال عبد الناصر فورا وأنهم لن يغادروا القاهرة بدون تلك المقابلة ، وعلى مدى ثلاث ايام جرت مناقشات معمقة اكد خلالها عبد الناصر ، انه يريد الوحدة ويكافح من اجلها  وان الاستجابة لطلب الضباط لايكفى ، فأرسلت الحكومة السورية وزير الخارجية  مكلفا بنقل موافقة الحكومة على الوحدة ، وفى ٢٢ فبراير وصل الرئيس السوري شكري  القوتلى وتم التوقيع على قيام الوحدة وإجراء استفتاء فى مصر وسوريا انتهى بالإجماع واصبح جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة ، مع استكمال بقية إجراءات الوحدة ببن كافة المؤسسات من حكومة واحدة ومجلس أمة واحد ووحدة الجيشين الاول والثانى .
وعمت الافراح مصر وسوريا بشكل مذهل ، وفى زيارة جمال عبد الناصر لدمشق قام السوريون برفع سيارته من على الارض ، وغنت الفنانة اللبنانية الراحلة صباح " من الموسكى لسوق الحميدية .. انا عارفة السكة لوحديا " وأصبحت اشهر اغانى الوحدة ، التى سارت فى طريق صعب خاصة عندما تم إلغاء الأحزاب فى سوريا وابعاد مئات الضباط البعثيين من الجيش وتأميم مشروعات ومصانع ومنشات متعددة فى سوريا ، وهو ماأدى الى إشتعال الصراع فى سوريا بشكل كبير خاصة بعد طغيان العناصر المصرية فى قيادة كل المؤسسات  ، وعاد الصراع بين ضباط الجيش السوري وحزب البعث من جديد ، مما افسح المجال لانقلاب عسكري فى سوريا فى ٢٨ سبتمبر ١٩٦١ اعلن الانفصال ، وبعد ان تم إرسال قوات مصرية الى سوريا لمواجهة الانفصال تراجع عبد الناصر رافضا الدفاع عن الوحدة بالقوة تاركا القرار للشعب السوري ، لتنتهي الوحدة الثانية فى تاريخ البلدين،  الاولى ايام صلاح الدين الأيوبي واستمرت أربع سنوات ، ومن المفارقات ان يرحل جمال عبد الناصر فى ٢٨ سبتمبر ايضا ١٩٧٠، بعد ان خاضت مصر حرب ١٩٦٧ للتصدى لعدوان اسرائيلى على سوريا كانت تستعد للقيام به .
وفى  ٦ اكتوبر ١٩٧٣ تعود مصر وسوريا للحرب ضد اسرائيل وتحقيق الانتصار الكبير فى تلك الحرب ، التى خاضها الجيش الاول فى سوريا والجيشين الثانى والثالث فى سوريا ، ومن المؤلم ان تسجل صفحات التاريخ تلك الصفحات المشرقة فى تاريخ مصر وسوريا فى الوقت الذى تعيش فيه سوريا حرباً مع الارهاب والقوى التي تريد تقسيمها ،و دمرت الحرب معظم مدنه و  هرب اكثر من مليون سوري وقتل  اكثر من ٣٠٠ الف فى حرب شرسة تشابكت فيها مصالح دولية واقليمية ولايعرف احد متى تنتهى ، ومتى يعود السلام الى البلد الأقرب الى مصر والمصريين حبا وتاريخا مشتركا مشرقا . 

التعليقات