في ذكرى ميلاد محمد عبد الوهاب.. يعنى ايه موسيقار الأجيال؟

موسيقار الأجيال، اللقب الذي أطلق على الموسيقار محمد عبد الوهاب، هو أقرب الألقاب التي يمكن أن تلخص حياة الفنان الأعظم في تاريخ الموسيقى بمصر، فقد استطاع أن يصل بين أجيال وأزمان مختلفة من الموسيقى، حيث ظهر في عصر لم تكن فيه الموسيقى  أساسا جزءا رئيسيا من الأغنية التي كانت تعتمد على الآهات والجمل الطربية، وهو نتاج عصر  الفنانين الكبار شيوخ الطرب: سلامة حجازي وعلى محمود وزكريا أحمد وأبو العلا محمد وفنان الشعب سيد درويش، الذى بدا مسيرة تحديث الموسيقى ولم يمهله القدر  فمات مبكرا وهو ما يزال شابا أقل من ٣٥ سنة.

كان الغناء مستمدا من روح الابتهالات والموشحات والأناشيد الدينية، ولذلك نجد أن معظم فناني هذا العصر دخلوا الغناء في بداية القرن الماضي من بوابة تلاوة القرآن، واشتهر مقرؤون كبار امتلكوا ناصية التلاوة بالقراءات السبعة اعتمادا على المقامات الموسيقية، وكان الشيخ محمد رفعت الذى تصدر دولة التلاوة يعزف على العود ويمتلك القدرة على الانتقال ما بين المقامات الموسيقية خلال قراءته لآيات القران بإبداع كبير.
محمد عبد الوهاب الذي كان والده إمامًا لمسجد الشعراني فى ميدان باب الشعرية، وولد ما بين ١٨٩٨ و١٩٠٣ فى ظل تضارب التواريخ، بدأ في غناء الطقطوقة والموال على طريقة "لقيت خياله فى المنام" إلى أن نجح فى تأليف المقدمات الموسيقية للأغاني، وكان ذلك تطورا هائلا أنهى به القالب القديم للأغنية، واستغنى عن طاقم السنيدة الذين كانوا في غياب اللحن الموسيقى يسندون المغني بالفعل في إعادة الجمل التطريبية، وحلت الموسيقى مكان ذلك كله، والأهم أن عبد الوهاب قد نجح فى الجمع ما بين مدارس الطرب القديمة والتي بدأ سيد درويش في تطويرها، والمدراس الموسيقية الغربية الحديثة وقتها، فنقل روح موسيقيين غربيين عظام مثل بيتهوفن وموتزارات وشوبان إلى الموسيقى الشرقية وجعل الاَلات الغربية تتكلم وتعزف النغمات الشرقية.
محمد عبد الوهاب هو بحق مؤسس المدرسة الموسيقية الحديثة التى ما تزال مستمرة إلى الآن، والتي خرج منها عشرات الموسيقيين والفنانين، ومعظمهم كان عبد الوهاب وراءهم بألحانه من شكوكو وصولا إلى أم كلثوم، التى يقول الناقد محمود معروف إنه لحن لها اغنية مجهولة عام ١٩٢٥، قبل أن يطلب جمال عبد الناصر منهما العمل معا، فكانت "أنت عمري" التى كانت تتسبب إذاعتها في توقف حركة السير في مصر والبلدان العربية.
وساهم عبد الوهاب فى تطوير الأفلام الغنائية تطويرا هائلا عندما قدم الوردة البيضاء عام ١٩٣٥ وكان يغني قبل العرض لمدة ساعة كاملة مقابل خمسة مليمات زيادة على التذكرة المسائية، وهو الذي قدم ليلى مراد للسينما وفاتن حمامة فى دور أنيسة وكان عمرها سبعة سنوات، والأهم أن زوجته نهلة القدسي جُنت به وأصرت على الانفصال عن زوجها عبد المنعم الرفاعي الذي تولى رئاسة وزراء الاْردن حتى تتزوج منه، وكان الرفاعي شاعرا كبيرا، والمذهل أنه قدم أشعارا له غناها عبد الوهاب بعد زواجه من نهلة القدسي طليقة الرفاعي.
أستاذ الأجيال الذي جمع ما بين ألحان القرن التاسع عشر إلى ألحان القرن العشرين الذى بحق يعتبر مايسترو هذا القرن بلا منازع، ولا يزال موسيقار القرن الواحد والعشرين، وستحتفظ القرون القادمة بفنه الخالد مثل عمالقة فناني أوروبا العظام، وهو ما بجعله بحق موسيقار الأجيال، سواء ولد زى النهاردة عام ١٩٠٢ أو في ١٨٩٨.

التعليقات