بعد ١٠٠ سنة من" سايكس -بيكو "خريطة جديدة ودولتان ل "الأكراد وداعش"

فى ١٦ مايو ١٩١٦ تم رسم خريطة جديدة للعالم العربي ، حين اتفقت بريطانيا وفرنسا اكبر قوى استعمارية فى العالم فى ذلك الوقت على تقاسم النفوذ والسيطرة على البلاد العربية التى كانت خاضعة للدولة العثمانية ، التى خرجت من الحرب  العالمية الاولى مهزومة ، وتحولت الى مايعرف فى كتب التاريخ برجل أوروبا المريض ، وكانت الاتفاقية التى وقعها وزيري خارجية فرنسا وبريطانيا " فرانسوا جورج بيكو ومارك سايكس " سرية لم يعرف بها الا البلدين ، ومع اندلاع الثورة البلشفية فى روسيا فضحت روسيا هذه الاتفاقية الاستعمارية ، ولكن كانت عجلة بناء وتفصيل الدول العربية قد شارفت على الانتهاء ، وهى العملية التى استمرت حتىقبام دولة اسرائيل عام ١٩٤٨ بعد ان قام اللورد بلفور وزير خارجية بريطانيا بكتابة وعد من حكومته لتأسيس وطن لليهود فى فلسطين .  مع حلول الذكرى المئوية لتوقيع الاتفاقية كيف يبدو العالم العربي الان ، وهل ماتزال خارطة سايكس بيكو مستمرة ام تنهار مع ثورات وحروب الربيع العربي ، وقبل ذلك الغزو الاميركى للعراق ، والذى ساهم فى تغيير خريطة هذا البلد .

فى دراسة للبي بي سي تذكر ، انه بينما  يتجه العراق إلى مرحلة أعمق من الاضطرابات والتفكك، يواصل زعماء الأكراد في الشمال الذي يتمتع بحكم ذاتي فعلي تهديدهم بالانفصال وإعلان الاستقلال الكامل، كما اعلن مسلحو ما يُطلق عليه تنظيم الدولة الإسلامية، الذين أزالوا الحدود بين العراق وسوريا في يونيوعام 2014، نيتهم محو جميع حدود المنطقة، وإلغاء سايكس-بيكو إلى الأبد.

وأيا ما كان مصير "الدولة الإسلامية"، فإن مسقبل سوريا والعراق - وهما جزء رئيسي من مشروع سايكس-بيكو- كدولتين موحدتين بات أمرا غامضا.

في يونيوعام 2014 نشر "الدولة الإسلامية" فيديو لإزالة السواتر في المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق

وفي الحقيقة، لم ترسم تقريبا أي من الحدود الموجودة حاليا في الشرق الأوسط في الوثيقة التي أبرمت في 16 مايو عام 1916 على يد كلٍ من مارك سايكس وفرانسوا جورج بيكو، ذلك ان النقطة الحدودية بين العراق وسوريا التي أزالها تنظيم الدولة في مشهد تمثيلي تبعد مئات الكيلومترات من "الخط الرملي" الشهير الذي رسّمه سايكس وبيكو، والذي يمتد مباشرة تقريبا من الحدود الإيرانية في الشمال الشرقي حتى الموصل وكركوك ليعبر الصحراء باتجاه البحر المتوسط، لينحرف في اتجاه الشمال إلى نهاية حدود فلسطين.

 

والواقع ان  الحدود الراهنة للمنطقة تشكلت من خلال عملية طويلة ومعقدة من الاتفاقيات والمؤتمرات والصفقات والصراعات التي تلت تفكك الإمبراطورية العثمانية وفي أعقاب نهاية الحرب العالمية الأولى.

غير أن روح سايكس-بيكو، التي سيطرت عليها مصالح القوتين الاستعماريتين الرئيسيتين المتنافستين وطموحاتهما القاسية، هيمنت خلال تلك العملية وخلال العقود اللاحقة حتى حرب   السويس عام 1956 حين عادت فرنسا وإنجلترا ومعهما اسرائيل لشن حرب ضد مصر بسبب تأميمها قناة السويس التى كانت جزء رئيس من ترتيبات سايكس بيكو .

الفرصة الكردية؟

والواقع ان سايكس-بيكو اصبحت شعار المرحلة بأكملها، إذ فرضت فيها القوى الخارجية إرادتها، ورسمت الحدود، ونصبت زعامات محلية موالية، ومارست سياسات فرق-تسد مع السكان الأصليين وإفقار الجيران مع الخصوم من الاستعماريين.

ويشهد النظام الناتج عن ذلك،  والذى اصبح عليه  الشرق الأوسط في الوقت الحالي ، حالة غير طبيعية نتيجة إقامة حدود وبلدان  تجاهلت  المثير من الاعتبارات العرقية والقبلية والدينية أو اللغوية، ومع وجود مزيج من الأقليات، كانت هناك في الغالب نزعة طبيعية لمثل تلك الدول للتفكك،  ما لم يحكمها رجل قوي بقبضة حديدية أو حكومة مركزية قوية، مثلما كان الحال فى العراق الذى كان موحدا بالحديد والنار فى زل حكم صدام حسين ، وهو مايتكرر الان فى سوريا فى لبيبا ، 

 

ومن المفارقة أن كلا الطرفين القويين اللذين يعاديان معاهدة سايكس-بيكو صراحة في نزاع محتدم ، وهمامسلحي تنظيم الدولة الإسلامية والأكراد في شمال العراق وسوريا،و أثبت الأكراد أنهم أكثر حلفاء الائتلاف الغربي فعالية في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، على الرغم من أنهما يشتركان في الإصرار على إعادة ترسيم الخريطة.

 

وقال رئيس إقليم كردستان العراقي، مسعود بارزاني، الذي يتمتع بحكم ذاتي، في مقابلة مع بي بي سي: "ليس وحدي من يقول بذلك، ففي الحقيقة إن سايكس-بيكو فشلت وانتهت."

وأضاف أن "هناك حاجة إلى تشكيل جديد للمنطقة. أنا متفائل للغاية بأنه من خلال ذلك التشكيل الجديد سيحقق الأكراد مطلبهم التاريخي وحقهم (في الاستقلال)".

وتابع: "مررنا بتجربة مريرة منذ تشكيل العراق في أعقاب الحرب العالمية الأولى. حاولنا الحفاظ على وحدة العراق، لكننا غير مسؤولين عن تفككها - الآخرون هم الذين فككوها.وقال "إننا لا نريد أن نكون جزءا من الفوضى والمشاكل التي تحيط بالعراق من جميع الجهات".

كيان له حدود

وقال بارزاني إن الدافع وراء الاستقلال جاد للغاية، وإن تلك الاستعدادات تمضي قدما بكل قوة.

وأضاف أن الخطوة الأولى تجب أن تكون "مفاوضات جادة" مع الحكومة المركزية في بغداد للتوصل إلى تفاهم وحل باتجاه ما يطلق عليه القادة الأكراد "الانفصال الودي".

وأضاف: "إنها خطوة ضرورية، لأن كل المحاولات والتجارب السابقة فشلت. وإذا لم تساعد الظروف الحالية في تحقيق الاستقلال، فليست هناك ظروف تمنع من طلب هذا الحق."

وتعد المناطق الكردية في العراق مناطق غير ساحلية، يحيط بها جيرانها من جميع الجهات - سوريا وتركيا وإيران والعراق بشطريه الشيعى والسنى  والذي يرفض التطلعات الكردية.

وتحت تهديد تنظيم الدولة الإسلامية، بات الأكراد أكثر اعتمادا على الإطلاق على القوى الغربية التي تنصحها بقوة كذلك بالبقاء كجزء من العراق.

وسواء أحقق أكراد العراق أم لم يحققوا استقلالا كاملا بشكل رسمي في المستقبل القريب، فإنهم أسسوا بالفعل كيانا له حدوده وعلمه ومطاراته الدولية وبرلمانه وحكومته وقوات أمنه الخاصة - كل شيء عدا جواز السفر والعملة.

وإلى ذلك الحد، فقد أعادوا بالفعل ترسيم الخريطة. وفي الجوار، يقوم أقرانهم من أكراد سوريا بالشيء نفسه، من خلال السيطرة وإدارة قطاعات شاسعة من الأراضي على طول الحدود التركية تحت مسمى "الإدارة الذاتية".

إعادة ترسيم المستقبل

وبالنسبة لتنظيم الدولة الإسلامية، فإن مكاسبها الإقليمية بلغت ذروتها. غير أن الفوضى في كل من العراق وسوريا التي سمحت لها بالتجذر إلى هذا الحد لا تزال مستمرة، وهو تهميش الأقلية العربية السنية في العراق (والأكراد) والتفكك السوري في حرب أهلية طائفية دون نهاية.

ويدور صراع غير معلن بشأن إمكانية التوصل إلى صيغ لمجتمعات مختلفة للعيش معا داخل حدود ورّثها تاريخ يعود إلى القرن العشرين، أو ضرورة ترسيم حدود جديدة لاستيعاب أولئك الشعوب - على الرغم من أن هذا المفهوم جرى تحديده.

"سايكس-بيكو انتهت، وذلك أمر مؤكد، لكن كل شيء الآن غامض، وسيكون هناك وقت طويل قبل أن يتضح ما هي النتائج"، هذا ما قاله الزعيم الدرزي اللبناني المخضرم، وليد جنبلاط.

وتعارضت اتفاقية سايكس-بيكو مباشرة مع ضمانات الحرية التي وعد بها البريطانيون للعرب مقابل دعمهم ضد الدولة العثمانية الضعيفة.

وتصطدم كذلك الاتفاقية مع رؤية الرئيس الأمريكي، وودرو ويلسون (وهو الرئيس الثامن والعشرون للولايات المتحدة الأمريكية في الفترة من 1913 إلى 4 مارس 1921)، الذي دعا إلى تقرير مصير الشعوب التي أخضعتها الإمبراطورية العثمانية لسيطرتها.

وأخبر مستشاره السياسي، إدوراد هاوس، في وقت لاحق بالاتفاقية، على لسان وزير الخارجية البريطاني، أرثر بلفور، الذي قدر بأن يوضع اسمه بعد مرور 18 شهرا على اتفاق كان له تأثير كبير في مصير المنطقة.

وقال هاوس: "كل شيء سيء وقلت لبلفور ذلك. إنهم يجعلونها (المنطقة) مكانا خصبا لحروب المستقبل."

 

التعليقات