فرنسا تستغل تراجع أمريكا وتعزز وجودها في الشرق الأوسط

ازدادت فرنسا انخراطا في قضايا الشرق الأوسط بعد وصول الرئيس إيمانويل ماكرون لقصر الإليزيه في مايو الماضي، سائرا على نهج سلفه فرانسوا هولاند الذي غير من نهجه في أعقاب هجمات شنها مسلحون في العاصمة باريس في الأعوام الأخيرة.

سعى ماكرون إلى توطيد علاقات بلاده مع الكثير من الدول حول العالم منذ وصوله للسلطة حيث قام بجولات في أفريقيا وأسيا خاصة منطقتي الشرق الأوسط والساحل الأفريقي حيث الحروب الأهلية وحروب مكافحة الإرهاب لا تزال قائمة منذ سنوات عديدة.

وخلال 2016 و2017، كانت فرنسا مصدرا رئيسيا لصادرات السلاح للدول العربية على الأخص مصر ودول الخليج العربي. كما أن باريس باتت منخرطة أكثر في النزاعات الشرق أوسطية من أزمة مقاطعة أربع دول عربية لقطر لاتهامها بدعم الإرهاب، وأزمة استفتاء كردستان العراق الذي لا تزال تداعياتها تخيم على بلاد الرافدين، هذا فضلا عن مساعيها لحل الأزمة في ليبيا التي تعيش في فوضى منذ الإطاحة بالعقيد معمر القذافي وقتله بعد ذلك في 2011. اليمن حرب اليمن القائمة منذ أكثر من ثلاث سنوات كانت ساحة أخرى حاولت فيها فرنسا.

 أحدث هذه المحاولات مطالبة ماكرون العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في اتصال جرى يوم 24 ديسمبر رفع الحصار الذي يفرضه التحالف العربي الذي تقوده الرياض على اليمن.

وطالب ماكرون السعودية بالسماح بإيصال المساعدات الإنسانية لليمن الذي يقف على شفا مجاعة، بحسب الأمم المتحدة. شدد ماكرون على عدم وجود حل عسكري للنزاع في اليمن بين الحكومة المعترف بها دوليا والمدعومة من التحالف العربي، والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران من جهة أخرى، داعيا أطراف النزاع إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات بحسب بيان لقصر الإليزيه قبل يومين. في هذا الاتصال أيضا، أكد ماكرون ضرورة العمل على مواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة.

وندد بمحاولات المتمردين الحوثيين استهداف العاصمة السعودية الرياض بصواريخهم الباليستية. أزمة الحريري كانت أزمة استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري منطقة أخرى برز فيها الدور الفرنسي؛ فمع تواتر الأنباء والتقارير عن أن الحريري أجبر على الاستقالة التي أعلنها من السعودية في خطوة مفاجئة في زمانها ومكانها، سعت فرنسا إلى الحفاظ التوافق بين الطوائف اللبنانية الذي جاء بمشيل عون رئيسا والحريري رئيسا للوزراء. توجه ماكرون إلى الرياض والتقى مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتباحثا في أزمة الحريري وغيرها من القضايا الخاصة بالمنطقة، غير أنه لم يتمكن من لقاء الحريري مع مزيد من التكهنات بأنه قيد الإقامة الجبرية في السعودية. وكان فرنسا وجهة الحريري بعد خروجه من السعودية ومنها توجه إلى بيروت مرورا بمصر وقبرص.

وأرجع محللون سياسيون اهتمام ماكرون بأزمة الحريري إلى عدة أسباب، أولها أن الحريري يحمل الجنسية الفرنسية، بالإضافة إلى خوف فرنسا من تفاقم الأوضاع في لبنان ما يجعلها مضطرة إلى التعامل مع مشاكل أكبر، بالإضافة إلى العلاقات التاريخية التي تجمع بين البلدين بالنظر إلى أن لبنان كانت تحت الاحتلال الفرنسي في زمن الاستعمار. سوريا كانت فرنسا من أشد الدول الداعمة للمعارضة السورية ولطالما طالبت برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، حتى ضربتها هجمات باريس 2015 التي تم التخطيط لها من الرقة، عاصمة الخلافة المزعومة لتنظيم الدولة الإسلامية.

 بعدها بدأت باريس في تغيير سياساتها رويدا رويدا سعيا لحماية أراضيها. كانت ذروة هذا التغير في السياسة مع التصريح العلني الذي أدلى به الرئيس إيمانويل ماكرون.

قال الرئيس الفرنسي إن باريس لم تعد تعتبر رحيل الأسد شرطا مسبقا لإنهاء الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ سبع سنوات. ففي حديث صحفي مع ثماني صحف أوروبية بعد انتخابه بشهر، قال ماكرون إن الأسد "عدو السوريين وليس عدو فرنسا".

وأضاف أن أولوية باريس هي الالتزام التام بمحاربة الجماعات الإرهابية، وضمان ألا تصبح سوريا دولة فاشلة. التحركات الفرنسية ونشاطها على الساحة الدولية تأتي استغلالا لتراجع الدور الأمريكي وانسحابه رويدا رويدا من قضايا المنطقة، بل فقدان واشنطن دور الوسيط في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتراف بلاده بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة في السادس من ديسمبر الجاري. يرى الدكتور سعيد اللاوندي، الخبير في العلاقات الدولية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن دور فرنسا بدا يتعاظم مع وصول ماكرون لقصر الإليزيه قبل سبعة أشهر. لاحظ اللاوندي اختلافا في السياسات الخارجية الفرنسية خاصة تجاه منطقة الشرق الأوسط. وقال لمصراوي "فرنسا تريد أن تلعب دورا مختلفا عن الدور الذي تلعبه أمريكا" التي بدأ دورها يتراجع في قضايا المنطقة.

التعليقات