سمير حسنى يكتب .. شهادة طالب فى الجبهة أثناء حرب أكتوبر ١٩٧٣

في عصر يوم السادس من أكتوبر ١٩٧٣ توجهنا الأخوة الثلاثة صلاح و علاء و سمير حسني للتطوع و الانضمام لكتائب القتال الذي بدء منذ ساعات قليلة شرق قناة السويس.  كنت طالبا متنقلا  للسنة الثالثة بجامعة القاهرة واخي علاء كان في سنته الاولي بكلية تجارة و صالح كان قد قبل في هندسة القاهرة. وابي كان وطنيا يساريا لم يعارض تطوعنا بل شجعنا عليه، و اتذكر انه قام بتصويرنا بعدسته بلباسنا العسكري و اخذ يلتقط العديد من الصور و هو واقف بشرفة منزلنا بالدور الأول و نحن بالشارع متجهين للمعسكر  .مكثنا في المعسكر يومين كاملين لا نفعل شييء سوي التدريب علي الانضباط العسكري.(صفه و انتبباه). تدريب شكلي ليس له معني و خاصة أن ثلاثتنا قد تم تدريبه عسكريا في المدرسة الثانوية وتضمن ذلك إستخدام البندقية  الشهيرة ٧.٦٢×٥٤.

أمام هذا الوضع وفي أوج رغبتنا وتوهجنا للذهاب الي الجبهة للمشاركة بأي شكل في القتال دعوت المتطوعين الي ضرورة الاحتجاج و الضغط علي القادة للإستجابة لمطالبنا وسرعان ما تمردنا علي التدريب الهزلي و أعلنا الاعتصام في المعسكر لحين تحقيق مطالبنا. وفي صباح اليوم الرابع للتطوع دعانا قائد المعسكر للخروج من خيامنا للإجتماع مع قائد كبير أتي خصيصا لإبلاغنا بقرارات هامة ، وفي خيمة قائد المعسكر الكبيرة القي القائد الكبير خطبةحماسية قدر فيها حماستنا و شجاعتنا ورغبتنا في التضحية والمشاركة في القتال والزود عن الوطن... الخ و اعلن عن إختيار خمسة متطوعين لتوجهوا فجر الغد الي الجبهة للقيام بعمليات خاصة.

كنت الأول بين هذة الاسماء وعرف الجميع ان الخمسة هم ابرز قيادات التمرد و الإعتصام، اضاف القائد المهيب ان باق المتطوعين يكون لهم ادوارا لا تقل أهمية وسوف تسند لهم المهام تباعا وفقالإحتياج العمليات و إنتهي الاجتماع بتصفيق حاد من الجميع. عدت الي خيمتي وظللت ساهرا افكر هل هذا التحرك يهدف الي فض الاعتصام بالتخلص من قيادته؟ او إعتقالهم؟ هل أقبل بالانضمام للعملية اي ان كانت إقصاء ام مشاركة في القتال؟ ام ان اقوم بدعوة المتطوعين الي التمسك و الاستمرار في الاعتصام؟ في الواقع كان القرار صعبا ولم يكن ممكناالاعتزار عن العملية فأنا اول من طالب بالذهاب الي الجبهة ، وكانت الدعوة لاستمرار الاعتصام يمكن ترويجها لدي المتطوعين بأنها حجة لعدم الذهاب الي الجبهة  الامر الذي يعد تخازلا مني. نمت قليلا و صحوت علي صوت القائد يدعونا نحن الخمسة للاستعداد للرحيل و طلب منا التوجه الي مخزن المعسكر لإستلام ملابس و تعيين الميدان( ملابس وعتاد وطعام الحرب) فاستلم كل منا مخلة وزمزميتين للمياة و تعيين الميدان الذي يتضمن معلبات قها ووقود جاف وبطارية اضاءة لا تنير الا بالون الازرق الداكن اضافة الي بضع علب من السجائر.ركبنا كل واحد من الخمسة في سيارة جيب ووجهنا القائد بأن مكاننا داخل السيارة بجانب السائق وليس في الصندوق كما اعتدنا، وودعنا الجميع بالاحضان و الهتافات و الدعوة بالنصر.

دخلت العربات معسكرا جديدا

سألت السائق ما هذا المعسكر؟ افادني انه معسكر ( العزازية) و انه ليس بعيدا عن الجبهة. إستقبلنا قائد المعسكر بحفاوة بالغة وابلغنا ان مهمتنا حتي الان تنحصر في تحميل الشاحنات العسكرية الضخمة ماركة ( ذل) السوفيتية بالذخائر ر الاسلحةو المعدات العسكرية ، مكثنا نقوم بهذه المهمة يوما كاملا ، وفي صباح اليوم الثاني عبرت للقائد عن رغبتنا في ان نقوم بعمل علي الجبهة خاصة ونحن مدربون وان ما نقوم به يمكن لغيرنا القيام به بسهولة وان موقفنا ليس إستعلاء علي ما نقوم به بل رغبة أكيدة في الذهاب الي الجبهة فقال لي لا تقلق غدا سوف تذهبون الي الجبهة مع اخر خمسة شاحنات محملة. صحوت مبكرا و كلي أمل و رجاء في الذهاب الي الجبهة ، فأعددت مخلتي العسكرية واذا بي و انا اخرج من الخيمة اجد القائد و الاربعة المبشورن بالجبهة جاهزون وكان بقية الزملاء قد قاموا ونحن نيام بتحميل الشاحنات. طلب مني القائد ان اصعد الي الشاحنة الاولي بجانب السائق فقلت له : الي اين؟ فقال لي : مش شغلك اركب.و نادي علي الاربعة الاخرين ليركبو شاحناتهم وشرعنا في التحرك فسألت السائق عن اسمه؟ فقال لي مغربي.و تبادلانا الحديث فعرفت انه من طنطا وان زوجته حامل، لم يعجبه في طو ل شعري و تجعيده فشرحت له اننا طلابا ولسنا جنودا وان اغلب الطلاب يطيلون شعورهم هذه الايام  لكن اعجبهه حماسي  واصراري علي الدفاع عن و طني وكذلك الشعار و الاغاني التي كنت ارددها بجانه، سألته مترددا الي اين نحن ذاهبون؟ وسرعان ما قال : الي القنطرة شرق فصرخت مهللا الله اكبر الي الجبهة اذن.

بدأناالتأهب لعبور القناة عن طريق الكوبري العائم الذي شيدته القوات المسلحة في اول ايام الجرب لإنزال والمعدات والقوات وللربط بين القنطرة شرق و القنطرة غرب، و بينما سرب شاحنتنا يعبر فوجئت يقائد عسكري ذو رتبة كبيرة جدا لا اعرفها وقتها وكان ايضا ضخما كان يقف علي مقربة من رأس الكبري حاملا عصا جلديه ، وإذا به يمادي علي و يشاور علي بإصبعه قائلا: انت يا عسكري... الخ من الشتائم المتعارف عليها عسكريا انذاك و يقول بعد ذلك: مش عشان احنا في عمليات تنسي نفسك يا عسكري. وكان يقصد شعري الطويل فقلت له: انني لست عسكريا بل طالب جامعة متطوع، فاذا به يتقدم نحوي وانحني علي مقبلا قائلا: أهلا بشباب الجامعة الوطنين مصر فخورة بكم بيكم و بدوركم ومستقبلها في أيديكم، واعطي الاذن لسرب الشاحنات بعبور الكوبري و احدة تلو اخري. ونحن نعبر الكبري سألني السائق مغاوري هل تعرف من خذا القائد؟ أجبت بالنفي فقال لي انه فؤاد عريز غالي قائد الجيش الثاني وكان مذهولا لجرئتي في الحديث معه وقال لي: والله او المرة ( يقصد زوجته) جابت ولد ح اسميه سمير و جابي بت ح اسميها سميرة.
أوصلنا المغربي الي مقر عملنا الجديد في كتيبة قريبة من المعبر و كان جزء من مهامها حماية و تأمين المعبر، قمنا بتفريغالشاحنات بمساعدة الجنود ثم اخذونا الي احد البيوت القريبة من المعبر كان محتلا من الجنود الاسرائلين.

في هذا البيت كانت اثار الاحتلال البغيض و اضحة كماكانت ايضا هزيمتهم واضحة تركو في البيت معدات قيمة و كميرات وأجهزة منزلية كهربائية اسرائيلية كتيرة، لكن اكثر الاشياء  التي وجدتها و ادهشتني هيي تقدم الصناعة الاسرائلية ليس فقط الاجهزة الكهرابائية الاسرائلية الصنع بل ايضا السلع الاستهلاكية التي و جدتها وو جدت مخلفاتها في ارجاء المنزل من عبوات لمعون المربي لمعجون الذبدة لممعجون الكفيارو الصلصة والجبنة .... الخ وكلها مصنوعة في انابيب قصديرية اوبلاستكية فاخرة الصنع وجذابة في الوقت الذي لم نعرف فيه في مصر سوي انابيب معجون الاسنان، كان. لدينا بالطبع معلبات قها ولكن لا يمكن مقارنتها بما وجدته في مخلفات و نفايات هذا المنزل الذي كان محتلا. وادهشني ايضا مكونات غزاء الجندي الاسرائيلي التي لا تقارن بالتعييين المقرر للجندي المصري، كانت مفارقة مدهشة احزنتي كثيرا غير انني سرعان ما ادركت مدي ايمان الجندي المصري بقضيته وقدرته علي التحمل و زهده وقناعته .

في هذا البيت و في المساء و بعدما ننتهي من اعمالنا ومن الخدمة علي رأس الكبري من الناحية الغربية نجتمع في المنزل المحرر الذي لا نعرف صاحبه ، نسهر وندخن ونشرب الشاي ونغني، وكنت احفظ كثيرا من الاشعار و اغاني الشيخ امام، وكنت القي عليهم اشعار المقاومة والرفض منهم محمد سيف وزين العابدين فؤاد و أحمدفؤاد نجم و صلاح جاهين وفؤاد حداد وصلاح عبد الصابور و امل دنقل و عبد الرحمن الابنودي، كانت استجابتهم و تفاعلهم عالية وفوق تصوري، لدوجة انهم سموني عبد الودود من كثرة ما كنت اغني اغنية الشيخ امام ( واد يا عبد الودود يا رابض ع الحدود...الخ).

وفي احدي اليالي وقبل اعلان وقف اطلاق النار كانت لي خدمة علي رأس الكبري، وأثناء خدمتي و قبلها سمعت اصوات قذف غير معتادة، مدفعية وقذف جوي، كانت قريبة جدا مني ، وبعد ان توقف القصف و ما تلاه من جلبة لتضميد الجراح ورفع الانقاض و اجلاء الجرحي ونقل الشهداء وبعد نحو ساعتين علي انتهاء هذه الجلبة سمعت صوتا عاليا يشتم الجميع بأفظع الصفات وبهستيرية واضحة، واخذ هذا الصوت يقترب مني و انا اقول له: قف، من انت، من انت ؟ كلمة سر الليل؟ تجاهلني تماما وواصل سبابه فقررت ان استخدم بطارية الاضاءة الليلة ذات النور الازرق ، فاذا بي ابصر شخصا تلطخه الدماء في كل انحاء جسمه ، دماء بكل الالوان الاحمر القاني الي الغامق الي الازرق والمتجمد و الذي لايزال سائلا. تجمدت في مكاني  ولم اعرف كيف اتصرف فالاوامر كانت واضحة ان اي شخص لا ينطق كلمة سر الليل يطلق الرصاص عليه فورا، وجدتني اقوم بإيقاذ زملائي في الخدمة وكنا ثلاثة شنجي و كنجي و برنجي اوقذتهم بدبشك البندقية وقاما مفوزعان وبعد تهدئنهم قمنا ثلاثتنا بالتعامل مع الشخص الذي كان مايزال يطلق سبابه المتواصل ، وقف زمليي واحاطوا بهذا الشخص الذي لم يكن يحمل سلاحا وتبين بعد اسعافه وعد شرب الشاي انه جندي مصري قد اغمي عليه جراء شدة القذق فإعتقد المسعفون انه فارق الحياة مصابا ووضعوه في غرفة الشهداء في المدرسة الاعدادية في القنطرة شرق وبعد عدة ساعات افاق من غيبوبته علي هذا الوضع الكارثي الذي كان فيه، اصطحبته معي الي المنزل بعد ان انهيت خدمتي وهدأ تماما وصرنا أصدقاء الي ان تم ترحيله من الموقع قبل وقف اطلاق النار،
بعد إعلان وقف إطلاق النار و الذي إستقبله الجميع بحزن و دهشة و غضب لم يعد يسند لنا خدمات سواء لحراسة الكوبري او غيره وبعد وقف اطلاق النار بيومين تم ترحيلنا الي معسكر العززية و من بعد الي بيوتنا. وفي البيت وجدت أخوي علاء و صالح وكانا في البيت قبلي بنحو اكثر من اسبوع.

أخي علاء في يقيني انه انتقل الي الجنة منذ سنوات جراء اصابته بالمرض اللعين بعد ان ترك زهرتين تخرجتا من الجامعة وتعملان صم تزوجا و انجبتا، كما ترك لنا علاء مبكراولدا يافعا يحمل الامل و هو الان في سنته النهائية الجامعية.
أما اخي صالح فإنتقل مهاجرا الي كندا ثم الي انجلترا حيث أقام و تجنس وخلف زهرتين جميلتين وصار مواطنا بريطانيا مرموقا كمهندس يراقب معايير الجودة في مختلف انحاء العالم .
أنا ها انا ذا لا اعلم هل ضللت طريقي في عالم الدبلوماسية ام لا؟  ثلاثتنا شاركنا بدرجة او اخري في الحرب اما اول و اخر من شارك فهو اخي اللواء مهندس نادر أخي الاكبر الذي اصيب اثناء حرب الاستنزاف وكان برتة رائد وقت تطوعنا في حرب ٧٣ أطال الله في عمرك يا زهرة المحاربين القدماء.ش

التعليقات