في ذكرى ميلاده.. انتصار وانكسار "فؤاد" مهندس الحزن والبهجة

تحل هذه الأيام ذكرى ميلاد أسطورة الكوميديا النجم الراحل فؤاد المهندس الذي أسعد الملايين بفنه ومازالت أعماله خالدة بيننا حتى الآن رغم وفاته.. من منا لا يضحك بأعلى صوته على مسرحياته "سك على بناتك" و" عشان خاطر عيونك" ، حتى الأطفال ساهم المهندس فى تشكيل وعيهم فى مرحلة الطفولة من خلال مسلسلة الرمضانى "عمو فؤاد"، 

بداية المهندس كانت من خلال عشقه لمدرسة نجيب الريحاني

فقد كان حريصا على المشاركة في عروض مسرح الجامعة وعدم تفويت أي عرض للريحاني لدرجة أنه اشتهر وسط الحضور بـ"التلميذ العاشق" فصار "الريحاني" يسأل عنه إذا غاب عن أحد العروض.

أما نقطة التحول، كانت حين قرر الأستاذ منح تلميذه دورا في إحدى مسرحياته، إلا أن الموت منع المهندس من احتراف الفن على يدي أستاذه الذي لازمه على مدار عامين شرب فيهما الفن مع بعض الممارسة على مسرح الجامعة، وهو ما ترويه الناقدة ناهد صلاح في كتاب "سيدتي الجميلة" الذي تناول حياة الراحلة شويكار وعلاقتها بفؤاد المهندس، وصدر ضمن فعاليات المهرجان القومي العشرين للسينما المصرية.

خليط الاجتهاد والدأب مع القدر، قاد فؤاد المهندس للمشاركة في مسرحية "السكرتير الفني" التي منحته فرصة تشكيل ثنائي فني مع "شويكار" اعتُبر من أنجح الثنائيات في التاريخ، قبل أن يتحول فيما بعد إلى ثنائي حياتي بعد زواجهما.

وحدثت الصدفة حين كان السيد بدير مرشحا للعب دور البطولة في "السكرتير الفني"، للمخرج عبدالمنعم مدبولي – وهي مسرحية الريحاني في الأساس – ليأتي المهندس كهدية من السماء تلقفها "مدبولي" ومنحه بطولة المسرحية، ليجد نفسه أمام فتاة جميلة هي "شويكار"، وهو التعاون الذي يقول عنه "الأستاذ": "قلب حياتي وحياتها رأسا على عقب"، على الرغم من عدم اقتناعه بها في البداية كممثلة كوميدية.

فؤاد المهندس، الذي لم يكف عن تتبع العالم الذي يمنحه السحر، يأتي أساسا من وسط لا يعترف بالفن كوظيفة، على الرغم من أن والده زكي المهندس عالم لغة ومثقف، وشقيقته هي الإذاعية الكبيرة صفية المهندس

ورغم وفاة الريحاني، إلا أن التلميذ لم ينفصل عن معلمه روحيا، ظل لفترة يستحضر شخصيته في التمثيل من ناحية، ويتلمس شخصيته الخاصة المستقلة من ناحية أخرى، عملا بالنصيحة التي أسداها له حين أخبره: "أنا واثق تماما من قدراتك وموهبتك ومقتنع بأنك ستكون خليفتي، لكن يجب أن تكون لك شخصيتك المستقلة وأداؤك المختلف".

وبعدها، انطلق التلميذ في مشوار فني ثري تنوع بين التلفزيون والإذاعة والمسرح والسينما، قاده هذا المشوار لينال الأستاذية على غرار معلمه "الريحاني"، حتى أسس لمدرسته الخاصة في الكوميديا، وصار رمزا فنيا يحظى بإعجاب الملايين وتعيش أعماله لعشرات السنوات محتفظة ببريقها.

ولكن كونه من أرباب الضحك، لا يعني أن الحزن كان بمنأى عنه، فالحزن قدر، واجب يدفعه القلب ليبقى على سليقته؛ رقيق لا تخلوه القوة في الشدائد، لكن تنأى عنه القسوة؛ وقد أدرك فؤاد المهندس ذلك الواجب في حياته، فتعامل معه بمنطقه الخاص؛ أغلق باب حزنه "على الأخر" أمام الجميع، فيما ترك له مساحة "وواربه" بأدواره على خشبة المسرح والشاشة الفضية.

بيقين صاحب الثروة العصامي في "هالة حبيبتي"، حين حزن لرحيل الصغير حدث نفسه "أدهم أحب أقول لك أمتثل وأثبت محلك.. أوعى حبك يوم يضلك ما أراد الله يكون"، فقبل أن تلهب الدموع وجنتيه، يحبسها بعينيه، تكتمها يده بمنديل تضعه على فمه، لتتمدد عروق عنقه، فلا تظهر إلا ملامح باكي، رحلت عنه عَبراته وتركت أسى، اقتحم الأبواب دون إنذار، وترك أثر شأن الضحكات الصافية حينما تخترق القلوب، غير أنه فضل أن يكون "فؤاد" يكتم الحزن، و"المهندس" للبسمة أينما ذكرت.

مرات قليلة ظهر بها "المهندس" حزين، على مسرح التمثيل وأيضًا الحياة، فرغم ملامحه وطباعه الجادة، غير أن الفكاهة التي غرسها بحياته الشخصية والفنية، جعلت حينما يبكي الضاحك يكون الانكسار كبير، يتفوق في ذلك فنان "الفودفيل"-الكوميديا الخفيفة- على نجوم التراجيديا فتُرى في "دراميته" حقيقة "فؤاد"، حين يحزن لانفصاله عن شخص عزيز، فتصدق مشاعره عند فراق الصغيرة "هالة"، ولو كانت للحبيبة والزوجة والصديقة ""شويكار" بعد الانفصال عنها، ما زاد عليها شيء بكلماته وهو يبكي على المسرح دون دموع قائلا "أيوه ياما حلمت بها وشوفتها بعين المحبة كل يوم عمالة تكبر ويا عمري حبة حبة.. وكنت أشوفني عجوز ومحني وهي شابة.. كانت الحب العظيم وكان بعادها عني آخر شيء يكون.. أها يا ويلي من الشجون.. بس ما دامت سعيدة كل شيء في الكون يهون".

التعليقات