قوة إيران ومخاوف تركيا تهدد قيام دولة كردية فى العراق

أقدمت حكومة كردستان العراق على الخطوة الاخطر فى تاريخ الشعب الكردي ، بإجراء استفتاء تقرير المصير ، وخطت بذلك كل الخطوط الحمراء والمحرمات المحلية على المستوي العراقي ، وعلى المستوى الاقليمى وكذلك على المستوى الدولى ، فلاتوجد اى دولة تساند هذه الخطوة ، ورد الفعل الاسرائيلي بالمساندة لم يتعدى التصريحات الإعلامية ، وكل المنظمات الاقليمية مثل جامعة الطول العربية والامم المتحدة عارضت نتائج هذا الاستفتاء الذى بلغت نسبة المشاركة فيه ٧٢،٣٪‏ من سكان اقليم كردستان والذى عقد يوم ٢٥ سبتمبر الحالى وتعدت نسبة الموافقة ٩٧ بالمائة ، وسط احتفالات غير مسبوقة فى الإقليم بموافقة الأغلبية الساحقة على المضي فى إجراءات الاستقلال واعلان الدولة الكردية المستقلة لأول مرة فى تاريخ الأكراد الحديث، وتوالت ردود الفعل على كافة الاصعدة ، فأعلنت الحكومة العراقية رفضها التام للاستفتاء وطالبت حكومة كردستان بتسليم المطارات والمنافذ الحدودية للحكومة، واعلنت ايقاف الرحلات الجوية بين بغداد وكافة المدن العراقية وإقليم كردستان وقامت شركات الطيران الدولية تباعا ومنها مصر للطيران بايقاف الرحلات الجوية الى أربيل عاصمة الإقليم الذى اصبح معزولا محليا ودوليا ، فيما بدأت إجراءات لفرض سيطرة الحكومة المركزية على المناطق المتنازع عليها بين اقليم كردستان والحكومة خاصة اقليم كركوك الغنى بالنفط .

إجراءات الحصار ستتصاعد فى الايام المقبلة بشكل كبير ، مالم تنجح الوساطات العاجلة فى إيجاد حل للازمة الاخطر فى تاريخ العراق منذ احتلاله اميركيا فى ٢٠٠٣، وتتجه الأنظار الى الرئيس العراقي الكردى فؤاد معصوم فى قيادة اجواء التصالح وحل عشرات المشاكل التى سببت المطالبة الكردية بالانفصال وتأسيس دولة مستقلة ، وعلى الرغم من ان الأكراد أعلنوا ان الوقت قد فات للتفاوض وان صبرهم على إجراءات التهميش والاهمال قد نفذ ، الا ان الكثير من المحللين قد اجمعوا على ان الهدف من الاستفتاء اساسا هو ممارسة أكبر ضغط على الحكومة العراقية لانتزاع مزيد من المكاسب الحدودية مثل الاعتراف بضم اقليم كركوك النفطى لكردستان والحصول على مزايا الدولة المستقلة بالكامل ثمنا للبقاء ضمن العراق الموحد شكلا

والواقع ان العراق الموحد يعانى بشدة رغم القضاء على معظم قدرات تنظيم داعش وتحرير الموصل والعديد من المناطق الهامة التى كان التنظيم السنى يسيطر عليها ، فلازالت الطائفة السنية التى شكلت الحاضنة الشعبية لداعش ترفض الاعتراف بسيطرة الطائفة الشيعية الحكم بدعم ايران ، وخاصة بعد ممارسات تنظيم الحشد الشعبي الشيعي عمليات انتقامية وحشية ضد الطائفة السنية فى المناطق التى تم تحريرها من سيطرة داعش ، وبالطبع كانت هذه الأجواء فى حسبان الأكراد وهو يقدمون على خطوة الاستفتاء والاستقلال عن العراق الممزق واقعيا

1- ان هذا الاستفتاء ليس(دستوريا) لأنه لايتعلق بدستور، وليس (تشريعيا) لأنه لايتعلق بقانون.

2- ان موضوع هذا الاستفتاء ليس في ميدان الشؤون الداخلية، إذ أنه لا يخص اختيار شكل نظام الحكم بل هو وسيلة لتحكيم الشعب في الخلافات القائمة بين سلطات الإقليم والحكومة الاتحادية.

3- ان موضوع هذا الاستفتاء يدخل في ميدان الشؤون الدولية، لأنه يتضمن أخذ رأي الشعب في تقرير مصيره.

وهكذا فإن هذا الاستفتاء (سياسيا) لأنه يتعلق بموضوع سياسي مهم جدا، هو أخذ رأي شعب إقليم كردستان في مسألة (تقرير مصير الإقليم من خلال الانفصال والاستقلال وإقامة دولة)..

ويتضمَّن هذا الاستفتاء الجواب على سؤال واحد هو: هل توافق على استقلال إقليم كوردستان والمناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم وإنشاء دولة مستقلة؟ ‏

‏ويدّعي الكرد بأن الوضع في العراق منذ عام 2003 ما زال يعاني من الكثير من التجاوزات الدستورية، بالإضافة إلى عدم الاهتمام بأسس الفدرالية كتوزيع العائدات، وتحديد حدود الإقليم، حيث لم تنفذ هذه المواد الدستورية، ‏ويتهمون الحكومة الاتحادية أيضاً باقتطاع حصة الإقليم من الموازنة المالية للاتحاد، الذى اقر بحق  الأقليات القومية في أن تتمتع بحقها في تقرير مصيرها داخل الدولة بالصيغ التي تلائمها. وهذه النتيجة تم اعتمادها في العراق إذ اختار الكرد النظام الاتحادي تعبيرا عن حقهم في تقرير مصيرهم بعد التغيير في عام 2003، من خلال إعلان الاتحاد الفيدرالي الذي أصدروه عام 2003..

التأثير السياسي الدولي لنتيجة استفتاء إقليم كردستان:

لاشك في أنه من المتوقع أن ينجم عن نتيجة استفتاء إقليم كردستان تأثيرات سياسية محلية تكمن في احتمالية حصول الحرب الأهلية على الأقل بسبب المناطق المتنازع عليها، كما أن هنالك تأثيرات سياسية سلبية تنعكس على الأمن القومي لدول الشرق الأوسط وخاصة تركيا وإيران، إضافة إلى التأثيرات السياسية التي سوف تطال الأمن العالمي وما يمثله من تهديد للسلم والأمن الدوليين بسبب النزاعات والحروب المتوقعة، أو بسبب احتلال تركيا للإقليم، أو بسبب تشجيع بقية الأقليات القومية على الانفصال مما يقسّم دول المنطقة.

والى جانب التهديدات التركية بتدمير دولة كردستان فى اسرع وقت عبر التدخل العسكري خوفا من انتشار العدوى لدى اكراد تركيا الذين جري قمعهم بشدة وبوحشية كثيرا ، اعلنت ايران ان  استفتاء إقليم كردستان العراق ب خطأ استراتيجي يهدد أمن واستقرار العراق، ويجر المنطقة للفوضى والتقسيم. وإن الإصرار على إجراء الاستفتاء يتعارض مع العملية السياسية في العراق، ويضرب كل الجهود المبذولة للحرب على الإرهاب في المنطقة. وأوضح موقف إيران من الاستفتاء (انه بإمكان إخواننا وأصدقائنا الأكراد تحقيق طموحاتهم والحصول على حقوقهم كاملة في ظل عراق واحد وديمقراطي، وعبر دستور وطني)، وحذر ايران من أن إجراء الاستفتاء في هذه المرحلة لن يجر سوى الفوضى وعدم الاستقرار على المنطقة وعلى كردستان العراق أيضا، واصفا القرار الذي اتخذته قيادة الإقليم بالمتعجل وغير المحسوب. كما حذر من أن انفصال كردستان العراق سيكون مقدمة لحرب فى المنطقة يمكن ان تندلع فى اى لحظة ، حيث تسابق الجهود السياسية الوقت للوصول الى حل قبل انفجار حرب جديدة فى العراق الذى لم يعرف الهدوء منذ الحرب العراقية الايرانية الى الان ! 

التعليقات