عندما سب الوزير الكاتب الكبير !

كتب اشرف عبد الشافى :
هذا ويذكر تاريخ الثقافة المصرية أنه فى صباح الأثنين التاسع من يوليو 1984 كتب"يوسف ادريس" مقالا طويلا اسماه "أهمية أن نتثقف .. يا ناس" وقامت الدنيا ولم تقعد ، فالكاتب الكبير صرخ فى وزير الثقافة (عبد الحميد رضوان ) وفى كل مسؤلى البلد كى ينقذوا المسرح وهيئة الكتاب وكافة مناحى الثقافة والأدب والفن التى تتراجع وتتدهور وسط حالة عجز تام للسلطة التنفيذية وتجاهل مخجل للثقافة وأهميتها مما يهدد الهوية المصرية ويشكل خطراً على مصر وأمنها القومى .
كان يوسف إدريس يظن أنه يدق جرس الإنذار ويلفت الانتباه  إلى  الخطر الذى بدأ يزحف مع هوجة الانفتاح التى امتدت من السبعينات واستمرت حتى يومه ويومنا هذا، كان يظن ـ وهو يستعرض صور التدهور التى أحاطت بالفكر والثقافة والإبداع فى مصر ـ أنه يبعث الأمل ويدعو إلى حوار بين المفكرين والوزارة التى أصبحت هامدة وخامدة فى عهد " عبد الحميد رضوان" ، لكن خابت الظنون ،وفوجئت مصر كلها بالسيد وزير الثقافة يكتب رداً سطحياً وساذجاً من عنوانه " مصريتنا حماها الله " وحتى نهايته وما جاء به من ألفاظ ومفردات لا تليق بوزير ثقافة مصر ولا يجوز أن يخاطب بها كاتباً فى قامة يوسف إدريس الذى راح يصفه بالكاتب المخدور والمفكر البلورى. ذى النفس المريضة والقلم المسعور، ولم يكتف الوزير بذلك بل راح يطعن فى وطنية صاحب "أرخص ليالى"  متهما اياه بالمجون الفكرى "الذى ينهش فى سعار بمجنون عرض وطنه ومواطنيه" ، واستكمل السيد الوزير وصلة الردح وهو يكتب"  حاشا لله أن يكون هذا الإدريسى من أبنائك وأربابك يا كنانة الله ان يكون هذا المخلوق قد رضع لبنك الحلال وتربى على ثرى ارضك الطاهرة استغفر الله بل اعوذ به من شر ما خلق ومن شر النفاثات فى العقد واذهب الى ابعد من ذلك فاهمس فى اذن الكاتب الالمعى والمفكر البلورى بان مصر لم تهن على احد من ابنائها ومفكريها مثلما هانت عليك" .
المثقفون كان كباراً واعتبروا موقف الوزير إهانة مباشرة لهم وخرج نجيب محفوظ عن صمته وهو يدافع عن مقال يوسف إدريس مؤكداً للصحف أنه لم يرتكب جرماً فى توضيح الانهيار الذى أصاب المسرح وهيئة الكتاب والمجلس الأعلى للثقافة ، وقالت سهير القلماوى إن أزمة مصر الكبيرة هى اختيار وزير يتحدث بهذا الأسلوب مع مفكر وكاتب كبير ، وصرخ فرج فودة بأن هذه الطريقة مقصود بها ذبح يوسف إدريس بلسان وقلم شخص لا يعرف قيمة المفكرين الذين يستحقون تفاخر الأمم بهم بدلاً من إهانتهم ، وقالت سكينة فؤاد إن مقال الوزير يتضمن تجريحاً فى كاتب نال وسام الثقافة والفنون من الدرجة الاولى عام 65 ،وكتب  القصة والرواية وترجمت أعماله  إلى 22 لغة،ورشحته جامعة استوكهولم لينال جائزة نوبل فى الآداب أربع مرات.
أما د. يوسف إدريس فقد لجأ إلى القضاء متهما وزير الثقافة بالقذف والتشهير ، وحكمت محكمة جنوب القاهرة بإدانة " عبد الحميد رضوان" وتغريمه عشرين ألف جنيه على سبيل التعويض ،كما حكمت بنشر حيثيات الحكم بجريدة الأهرام على نفقة محمد عبد الحميد رضوان بصفة شخصية.
( من صفحة د. محمد العدل )
التعليقات