حكاية الخاين الذي تسبب في احتلال العثمانيين لمصر " ولماذا حرّم شرب القهوة ؟!"

فى يوم من الأيام كان الأمير خاير بك المملوكى حاكما لمكة من قبل السلطان قنصوة الغورى، وشاهد جمعا من الناس فى ركن من أركان المسجد الحرام مستغرقين فى تناول شراب ما.

وسأل عن شرابهم هذا؟ فقيل له إنه شراب القهوة الذى جلب من اليمن، كانت القهوة قد عرفت وبدأ تناولها فى اليمن والحجاز ثم وصلت دمشق وحلب والقاهرة ثم انتشرت سريعا فى مكة أيضا، لكن خاير بك المملوكى قرر أن يجمع كبار الفقهاء فى مكة ليعرف رأيهم فى مسألة شرب القهوة. فقالوا له: إن حبوب البن حكمها مثل حكم بقية النباتات لكن اجتماع الناس على شراب القهوة حرام، وعلى هذا يجب أن يحرم شربها.

فى ذلك الوقت كان انتشار المقاهى بدأ يثير سخط بعض رجال الدين الذين راحوا يصفونها ببيوت الفساد، حتى قال بعضهم إن الذهاب إلى الحانات أفضل من الذهاب للمقهى.

وكان طبيعيا أن يبادر بعض رجال الدين بتحريم شرب القهوة.

وعندئذ أمر خاير بك بأن ينادى المنادى فى الشوارع بأن شرب القهوة حرام شرعا. ويعرض صاحبها للعقاب. وبسرعة تم إغلاق كل محال بيع القهوة وإحراق حبوب البن فى مخازن التجار بمكة. واضطر المكيون إلى شرب القهوة فى البيوت سرا.

لكن خاير بك قبض على أحد شاربى القهوة وأمر بتجريسه على ظهر حمار طاف به شوارع المدينة!.

ولم يكتف خاير بك بذلك ولكنه أراد أن يكون أشد الناس حرصا على الإسلام، فأرسل إلى القاهرة سؤالا يؤكد قلقه على الدين الحنيف من مشروب القهوة الذى يتم تعاطيه داخل المسجد الحرام فى كئوس، وزاد الفقهاء خلال رسالة خاير بك بأن الكثير منها يؤدى إلى السكر وأن الأطباء شهدوا بأنها مفسدة للبدن!

صدمت الرسالة السلطان قنصوة الغورى لأن شرب القهوة كان مباحا فى القاهرة بشهادة الفقهاء والأطباء أيضا. فكتب إلى خاير بك بضرورة الرجوع عن قرار تحريم القهوة.

لكن ذلك لم يمنع من استمرار المساجلات الفقهية حول شرب القهوة فى القاهرة أيضا. وقام أحد الفقهاء ليقول للناس: ما رأيكم فى الشراب المسمى بالقهوة الذى يشرب فى جماعة على أساس أنه مباح، رغم أنه ضار جدا بالصحة، هل هو حلال أم حرام؟ ثم أرفق بالسؤال رأيه المسجل بأن شرب القهوة حرام شرعا، وعلى أثر الجدل الدائر قام الخطباء كالعادة بمهاجمة القهوة وشاربيها، حتى قام المصلون بمهاجمة المقاهى وكسر أوانى القهوة.

كل ذلك بسبب غيرة خاير بك المزعومة على الدين. لكن الغريب أن خاير بك المشغول بتحريم شرب القهوة سوف يخون قائده قنصوة الغورى فى معركة مرج دابق أمام سليم الأول.

يبدأ الخيانة من حلب التى أصبح أميرها فيدعى مقتل السلطان الغورى ويأمر المصريين بأن يتركوا حلب ويذهبوا إلى مصر، ليسلم المدينة السورية إلى سليم الأول طبقا لما ذكره ابن زنبل الرمال فى كتابه «آخرة المماليك» ثم بعد ذلك يدفع الغازى العثمانى إلى احتلال مصر. وبالطبع لم يسأل أحد خاير بك هل شرب القهوة حرام بينما خيانة الأوطان حلال؟

كان سقوط مصر تحت سنابك خيل العثمانيين أكبر فاجعة عاشتها مصر. لكن المصريين لم ينسوا فى غمرة مأساتهم أن يطلقوا على خاير بك اسم خاين بك. ربما أطلق أحدهم هذا اللقب وهو يرتشف من فنجان قهوة فى ليلة حزينة من الليالى الكثيرة التى عاشتها مصر تحت الحكم العثمانى الغبى والجاهل.

لكن السؤال يبقى كم من خائن عندنا يشغل نفسه بتحريم ما أحل الله، بينما عينه وقلبه وعقله لا يشغلها حقيقة إلا خيانة الوطن!
محسن عبد العزيز
التعليقات