مجدي الطيب يكتب : كيف فضح فيلم " البدلة" عورات كثيرة ؟!

شهادة مهمه لصناع فيلم "البدلة " كتبها في تحليل شامل لجريدة القاهرة الناقد الكبير مجدي الطيب .

قال ان الكوميديا فضحت لاول مرة منذ فترة طويلة على الشاشة عورات كثيرة ، وان الفيلم  حظي باقبال الجمهور ليس بالصدفة ولا بالدعاية ولكن لانه تناول بذكاء موضوعات مسكوت عنها في المجتمع :

  أخطأ الكاتب أيمن بهجت قمر عندما اكتفى بالقول بأن فيلم «البدلة» «مستوحى من فيلم أجنبي»، ولم يذكر صراحة أنه استلهم فكرته من فيلم الحركة الكوميدي الأمريكي «Let’s Be Cops»، بينما كانت فضيحة تامر حسني بجلاجل عندما زعم، بعد هذا الاعتراف من كاتب الفيلم، بأنه صاحب القصة، رغم أن تمصير الفيلم جاء على درجة كبيرة من الاتقان، والطرافة، الأمر الذي جعله يتصدر إيرادات موسم عيد الأضحى المبارك؛ بما يعني أن الجمهور أحب تركيبة «البدلة»، ولم يأبه كثيراً بمسألة الاقتباس !

 نجح التمصير لأن الفيلم لمس وتراً حساساً لدى الجمهور، الذي يؤمن ، كبطل الفيلم، بأن «بدلة ضابط الشرطة تعطي صاحبها حصانة وهيبة ونفوذاً في مجتمع لا يعترف بغير أصحاب السلطة والجاه والنفوذ»، وتجاوب الجمهور مع الفيلم، في مواقفه التي تبدو مصرية أصيلة؛ كالتعليم الفاشل الذي يُجبر شبابنا على الالتحاق بكلية لا يحبها، ولا يعرف الفارق بين التشريح والتشريع، وبعد خمسة عشر عاماً من التعثر الدراسي اضطرت الكلية إلى التخلص منه، وتسريحه باعتباره من الخريجين، بل أن الأمر المؤكد أن المتابع لأحداث الفيلم تأسى لحال وطن «يجري استهداف أولاده الناجحين من العلماء والنوابغ» بينما أجهزته، ومؤسساته، عاجزة عن حمايتهم، في ظل مجتمع مُخترق، ومُستباح، بواسطة العملاء، والأعداء !

الكوميديا رسالة

 نجح الكاتب أيمن بهجت قمر، ومعه المخرج محمد جمال العدل (ماندو)، في توظيف كوميديا «الفارس»، القائمة على المبالغة، لتوصيل رسائل جادة، والسخرية من أوضاع قائمة يعتريها الخلل، ومجتمع يضرب في أركانه الفساد؛ كما فعلا في مشهد مدير البنك «محيي» (حسن حسني) الذي يُهدر أموال البنك في قروض مالية ضخمة تذهب إلى العابثين و«الموصى عليهم»، بواسطة الكبار وعلية القوم، فيما يدفع الشباب المُخلص الباحث عن قرض متواضع ليبدأ حياته، ويمول فكرته، ثمن تجاهله وإزدرائه، خصماً من إرادته، وحماسته، وكرامته، وثقته في وطنه؛ فالمسحة الكوميدية تبدأ مع ميلاد «وليد» (تامر حسني) وخاله «حمادة» (أكرم حسني) في توقيت واحد، ومن ثم تتوطد الصداقة بينهما، وتبدأ علاقة طريفة للغاية، وإن لم يضف التنويه إلى أن الأحداث تجري في «القاهرة منتصف الثمانينيات» قيمة، وإضافة، سواء على صعيد الديكور أو الملابس أو الإكسسوارات، وهو الأمر الذي تكرر مع التنويه إلى انتقال الأحداث إلى «القاهرة 2000»؛ فلا جديد يُذكر اللهم إلا دخول البطلين الجامعة، وفشلهما الذريع في حياتهما الدراسية («حمادة» التحق بكلية الحقوق ثم انتقل منها إلى كلية الشرطة وانتهى به الحال طالباً في كلية التربية الرياضية بينما درس «وليد» في كلية لم يحبها، وبعد 15 سنة من الفشل اضطرت إدارتها إلى منحه شهادة التخرج) !

 السخرية اللاذعة للكاتب أيمن بهجت قمر تجلت في مشاهد عدة من الفيلم؛ على رأسها العطل الذي أصاب سيارة «وليد» و«حمادة»، وطلب المساعدة، فما كان من أمة لا إله إلا الله أن هبت لمساعدتهما، ودفع السيارة، لمجرد أنهما يرتديان زي ضابطي الشرطة، الأمر الذي جعل «وليد» يتشبث ب «البدلة»، ويرفض التخلي عنها، بعد ما وجد نفسه فيها، وعندما منعتهما الأم «نجاة» (دلال عبد العزيز) من ارتدائها، كونها تخص الممثل كمال أبو ريا، التي تعمل معه «لبيسة»، اتجه ابنها إلى تفصيل «بدلة» بديلة، بعد ما استشعر نظرة الاحترام، والمهابة، في عيون المحيطين به، وإصراره على عدم التخلى عنها، رغم معارضة «حمادة» . أما مباراة الكرة؛ التي أدارها «حمادة»، فقد اتسمت بطرافة، وخفة ظل، وقدرة على انتزاع ضحكات الجمهور، بغير ابتذال أو فجاجة، وكانت سبباً في تجميل صورة ضيفي الشرف : «شوبير» و «مجدي عبد الغني»، اللذان وظفهما المخرج في المكان المناسب، وجاءت ردود أفعالهما طبيعية وتلقائية، وكانت فرصة كذلك لتمرير رسالة بحالة من فقدان الثقة بين الجمهور والحكام، وهو ما أكدته عبارة «الناس تتشكك في نزاهة الحكم حتى لو كان حكماً لمباراة في البلاي ستيشن » !

الاختراق واغتيال علماء مصر 

 في نفس الوقت جاءت مشاهد وصول القناص الأسباني «ماركوس خوزيه جونزاليس» (ماجد المصري) إلى مصر، تحت اسم مستعار «جوزيف انطونيوس»، ونجاحه في اغتيال الدكتورة «ليلى العربي» (سلوى محمد علي في ظهور خاص)، المتخصصة في الفضائيات والاتصالات، والمرشحة لمنصب وزير البحث العلمي، لأن بحوزتها معلومات على درجة كبيرة من الحساسية، لتعكس الخلل الأمني الحاصل، والاختراق الذي يتعرض له الوطن؛ خصوصاً أنها سبق لها أن تلقت تهديدات من جهات غير معلومة، وكاد مخطط الاغتيالات أن يتواصل عبر التخطيط لاغتيال دكتور «صلاح الشيمي»  ( ياسر علي ماهر)، قبل إجهاضه، بواسطة «وليد» و«حمادة»، وليس الأجهزة الأمنية (محمود البزاوي وشريف حلمي)، ولم يكن مشهد تفجير سيارة  «ليلى العربي» بعيداً عن الإتقان، الذي ساد مشاهد الحركة والمطاردات، التي تم تنفيذها بشكل تقني رائع؛ وعلى رأسها مطاردة بالسيارات داخل مول تجاري، بعكس مشهد المواجهة بين «وليد» والقناص العالمي «ماركوس»، الذي قالت التقارير الأمنية أنه إرهابي عتيد «يقوم بعمليات من 30 سنة وسبق القبض عليه 10 مرات»، لكن البطل يقهره ببساطة، وسذاجة، وشجاعة تفتقر إلى المنطق، والمبرر، لمجرد إرضاء تامر حسني، الذي خشي في ما يبدو على صورته أمام جمهوره، وهو ما تأكد في إصراره على تقديم أغنية زائدة عن حاجة الأحداث الدرامية، بدلاً من أن يواصل المغامرة، ويبرهن على قدرته على اجتذاب الجمهور بامكاناته التمثيلية وحدها، بعيداً عن الغناء !

سينما نظيفة !  

 في نفس سياق إرضاء جمهور تامر حسني جاءت العلاقة العاطفية بين «وليد» و«ريم» (أمينة خليل)، مجرد تكئة ليرتدي البطل «البدلة»، على غرار ما حدث بالضبط في الفيلم الأمريكي«Let’s Be Cops»، بعد ما أعلنت صديقة الدراسة القديمة، عبر «الفيس بوك»، عن حفلة تنكرية للزملاء القدامى، ما دعا البطل، وخاله «حمادة»، لارتداء بدلتي الشرطة، واختارا رتبتي «نقيب» و«رائد»، وفي الحفل اكتشف أن «ريم» مصممة،ومحركة، عرائس في مسرح العرائس، واستعادا الحب القديم، التي أخلت ببناء الفيلم، الذي اعتمد على الحركة، بالمقام الأول، ومن ثم جاءت مشاهد «ريم» في مسرح العرائس، ووجود «كمين الشرطة» أسفل العمارة التي تقطنها بالزمالك، والسفر معها إلى الريف، والغناء لها، لتعطل تدفق الأحداث، ولم تضف على الفيلم الرومانسية، ولا الجماليات المنشودة، تماماً كالحديث الغليظ عن الاستهداف الدائم لمؤخرة «حمادة»، حتى أن شقيقته «نجاة» تعرفت عليه، عند بث مشهد بيان الداخلية في التليفزيون، من مؤخرته؛ إذ لم يتسم «الإفيه» بالطرافة، التي ظنها صانعو الفيلم، بل جاء قبيحاً، وخادشاً للحياء، ويتناقض وشكل الفيلم، الذي انتمى، في مجمله، للسينما النظيفة، وتميز باتقان التنفيذ، بصورة كبيرة، وإن جاء ظهور أحمد زاهر كضيف شرف، في كمين الزمالك، ليعكس مجاملة من جانبه لصديقه تامر حسني، وهو ما تكرر في دور «نجاح» صديقة «ريم»، التي لم يكن لوجودها مبرر، إلا القول بأن علاقة حب ستربطها و«حمادة» !

 سقط «وليد» على البالون، بعد أن قهر القناص الإرهابي، لكنه استعاد ثقته بنفسه، وعثر على ضالته، وهو يتلقى تصفيق، وتحية، جمهور المول، وهو الشعور الذي عبر عنه بقوله «شفت رأفت الهجان ماشي أمامي»، في تناقض صارخ والرسالة التي ينبغي للفيلم أن يتبناها؛ كونه، في حقيقة الأمر، يُشجع على ارتداء «البدلة»، بوصفها السبيل الوحيد لاستعادة الكرامة، وتحقيق الذات، في المجتمع، و مع زواج «وليد» و«ريم»، وتلقيهما كارت تهنئة، هو في الحقيقة رسالة تهديد من «ماركوس»، يبدو وكأننا على موعد مع جزء ثان لفيلم «البدلة»، الذي أجاد المخرج محمد العدل توظيف عناصره التقنية، والتمثيلية، باستثناء بعض الشخصيات الزائدة؛ فالتفاهم، والانسجام، الواضحين، بين تامر حسني وأكرم حسني، يؤهلهما لتكوين ثنائي ناجح في المستقبل، وجاء أداؤهما منضبطاً بشكل كبير، بعيداً عن مبالغاتهما المعتادة في أعمالهما السابقة، وماجد المصري، بتكوينه الجسماني، أضفى مصداقية على شخصية القناص الإرهابي، وهي المصداقية التي سعت إليها دلال عبد العزيز، لكن بناء الشخصية، ومساحتها، لم يسعفاها، بينما كانت أمينة خليل «خارج الكادر»، وبدا أن وجودها مجرد «سد خانة» !

التعليقات