من هى أول قارئة معتمدة في الإذاعة المصرية التي قضت عليها فتوى؟

في عشرينيات القرن الماضي لم يكن من الغريب أو المستهجن أن تجد قارئة تقرأ القرآن الكريم على ملأ من الناس، وقد ظهرت بعض القارئات في مصر بلغت شهرتهن الآفاق وتخطت حدود مصر إلى غيرها من الدول العربية، بل كان يسعى كبار الأعيان في مصر وخارجها إلى طلب هؤلاء القارئات لإحياء الليالي بآيات الذكر الحكيم.

في هذا التقرير يرصد مصراوي سيرة واحدة من هؤلاء المقرئات التي كانت ذات شهرة كبيرة في عصرها في فترة العشرينيات، حتى إنها كانت أول قارئة معتمدة في الإذاعة المصرية بعد إنشائها.

إنها الشيخة منيرة عبده التي ذاع صيتها من عام 1920م وكان عمرها حينها 18 عامًا فقط، حيث كانت تحيي الليالي والمآتم خاصة في الأرياف فبلغت شهرة كبيرة، والذي ساعد على ذلك أن طبيعة المجتمع في تلك الفترة كان يجعل العزاء ثلاثة أيام للرجال وثلاثة أيام للنساء، وكان لابد من وجود امرأة لتقرأ القرآن الكريم في عزاء النساء.

يحكي الكاتب الكبير الراحل، محمود السعدنى، في كتابه «ألحان السماء» قصة الشيخة منيرة عبده فيقول: "إنها قرأت القرآن أول مرة عام 1920، حيث كانت فتاة صغيرة في الثامنة عشرة من عُمرها، نحيفة وضعيفة وكفيفة، وأحدث ظهورها ضجة كبرى في العالم العربي، ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت نداً للمشايخ الكبار، وذاع صيتها خارج مصر، وتهافتت عليها جميع إذاعات مصر الأهلية".

 

ومما يدلل على شهرتها الواسعة أنه في عام 1925م قام أحد كبار أثرياء تونس بتقديم عرض للشيخة منيرة عبده لإحياء ليالي شهر رمضان المبارك في قصره بصفاقس بضيافة كاملة وأجر ضخم بلغ حينها ألف جنيه مصري، وهو مبلغ عظيم في تلك الفترة، ولكنها رفضت وحالت الظروف دون سفرها، فحضر الثري التونسي إلى القاهرة ليستمع إليها خلال شهر رمضان.

ومن العجيب أن الشيخة منيرة كانت أول امرأة قارئة معتمدة في الإذاعة الرسمية في القاهرة بعد إنشائها وتزامن ذلك مع ترتيل كبار قراء مصر في ذلك الوقت معها في نفس الإذاعة أمثال الشيخ محمد رفعت رحمه الله الذي كان يحصل على أجر 10 جنيهات شهريًا، وكانت تحصل الشيخة منيرة على أجر 5 جنيهات شهريًا .

وحينها نوهت مجلة "الراديو المصري" في عددها الـ 55 والصادر في 4 أبريل عام 1936م عن "تلاوتين من القرآن المجيد للشيخة منيرة عبده، أذيعت الأولى عند افتتاح البث الإذاعىي في العاشرة من صباح الأحد 5 أبريل عام 1936م.

وظلت الشيخة منيرة عبده تقدم التلاوات المتميزة في الإذاعة بالإضافة إلى الابتهالات والتواشيح الدينية ما بين 1920م إلى 1934م حتى قبيل الحرب العالمية الثانية، ولكن تحدث الأزمة بعد أن صدرت بعض الفتاوى المتشددة التي حرمت تلاوة المرأة للقرآن الكريم وإذاعة ذلك على الناس بدعوى أن صوت المرأة عورة.

وللأسف رضخت الإذاعة المصرية حينها لتلك الفتاوى ومنعت تلاوة الشيخة منيرة وغيرها من النساء عبر أثيرها، وكذلك توقفت إذاعتا لندن وباريس عن إذاعة أسطواناتها خوفًا من غضب المشايخ الكبار، واختفت الشيخة منيرة من الإذاعة.

كان هذا القرار قد أثار موجة من اعتراض كثير من المستمعين والمستمعات للإذاعة المصرية، ولكن دون جدوى، وانتهى الأمر بالشيخة منيرة عبده بالاعتكاف على الاستماع إلى كبار القراء في بيتها.

ويوجد حاليًا بعض التسجيلات القصيرة والقليلة جدًا والنادرة للشيخة منيرة عبده، وكذلك ابتهال بعنوان: "يا رسول الله".

 

 

التعليقات