" كازابلانكا" لماذا اكتسح شباك التذاكر ؟.. الناقد مجدي الطيب يحلل الظاهرة

   لم تتغير قناعتي، طوال سنوات عمري؛ سواء عاشقاً للسينما او مشتغلاً في رحابها او عنصراً من عناصرها، بان ارتياد صالات العرض السينمائي في مواسم الأعياد، يدخل في باب المحرمات  بل هو ضرب من الجنون، حتى قرأت عن حجم الإيرادات التي حققها فيلم «كازابلانكا»، والتي بلغت،  في أول أيام عرضه في موسم عيد الفطر إالمبارك 2019، حوالي 6 ملايين و721 ألفًا و308 جنيهاً، مسجلاً أعلى إيراد يومي في تاريخ السينما المصرية، ثم كانت المفاجأة الاكثر دوياً، عندما أغلقت بورصة شباك تذاكر اليوم الثاني، وهو في الصدارة، مُحطماً رقمه الأول، بعد ما وصلت ايرادات يومه الثاني إلى 8 ملايين و51 ألف جنيهاً، فضلاً عن مبلغ المليون و400 ألف جنيهاً، التي حصدها ليلة الوقفة، لتبلغ اجمالي إيراداته في العيد فقط 16 مليون جنيهاً مصرياً !

أرقام مُذهلة تأملتها بدهشة، وانقلبت بسببها، وبإرادتي، على قناعاتي السابقة، واتخذت القرار الأصعب بمشاهدة فيلم «كازابلانكا» وسط جمهورالعيد، عساي اجد تفسيرا للطلاسم التي  جرت، في هذا الموسم؛ ابتداء من الانحياز المُطلق من جانب الجمهور مع الفيلم، الذي ينتمي إلى نوعية أفلام الحركة، ويقوم ببطولته نجم ذاع صيته في الآونة الأخيرة فقط، هو أمير كرارة، ومخرج يوصف بأنه «محظوظ»، هو بيتر ميمي، ومؤلف شاب يخطو أولى خطواته، في عالم السينما، بعد تجربته في الدراما التليفزيونية «حواري بوخارست»، مع أمير كرارة أيضاً، هو هشام هلال . والأهم، في سياق تجربة التواجد، بين الجمهور، التعرف على كنه الشرائح، التي تجاوبت مع الفيلم بهذه الكثافة منقطعة النظير؛ فاللافت للنظر أن جمهور الفيلم ضم كل الشرائح العمرية، والطبقات الاجتماعية والاقتصادية، بما يوحي بأنه «فيلم عيد»، بمعنى الكلمة، كما يُشير إلى أن المخرج بيتر ميمي والجمهور بينهما كيمياء واضحة، وأنهما على موجة واحدة؛ بدليل  أن فيلمه السابق «حرب كرموز»، حقق إيرادات مقاربة، عند عرضه في موسم عيد الفطر الماضي، ونجح أيضاً فى تحقيق أعلى إيراد يومى فى تاريخ السينما المصرية .
. «كازابلانكا».. لماذا ؟
«كازابلانكا» ليس فقط اسم المدينة المغربية الشهيرة، التي تدور فيها أحداث الفيلم، لكنه اسم سفينة الشحن العملاقة، التي استهدف الصيادون الثلاثة القدامى : «عُمر» (أمير كرارة)، «عُرابي» (عمرو عبد الجليل) و«رشيد» (إياد نصار)، السطو عليها، وسرقة إحدى السيارات التي تحملها، واختيرت لتهريب شحنة من الألماس، لحساب عصابة يعمل لحسابها محمود البزاوي، الذي يكتشف بعد تسلم السيارة اختفاء الألماس، ولا يصبح أمامه سوى التنكيل بالبطل «عمر»، الذي آثر التضحية بنفسه، والتستر على صديقيه، ويُساق إلى المحاكمة في الاسكندرية، ليُعاقب بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
إثارة، وتوتر، من دون حدود، وكيف لا والجمهور يرى أمامه عملية سطو ، ربما تكون الأولى من نوعها على الشاشة، لسيارة من فوق متن سفينة عملاقة، والتحليق بها في عرض البحر، وحيل درامية طازجة محورها الشك والخيانة بين الأصدقاء الثلاثة؛ فالصديق «عرابي»، الذي ظن الجميع أنه مات اختار تنفيذ العملية لحسابه الخاص، وهرب إلى «كازابلانكا»، مُحملاً بقطع الألماس المهربة، وهناك انتحل اسم «هارون»، وراح يدير نشاطاً مشبوها، تحت ستار الملهى الليلي، الذي أسند ملكيته وإدارته للشقيق الأصغر للبطل (الصبي أحمد داش)، الذي أراده درعاً بشرياً لحظة شروع البطل في الثأر منه، أما «رشيد» فيتحين لحظة الإفراج عن «عمر» ليُصفي حساباته، التي لا يستطيع تصفيتها وحده، مع «هارون / عرابي»، بينما كل هم «عمر» أن يستعيد شقيقه الأصغر، وينأى به بعيداً عن طريق «عرابي» .. و الشر . 
في ظل اللغة البصرية الرائعة  التي تُخيم على الفيلم (مدير التصوير حسين عسر)، والمطاردات التي تخلق جواً من اللهاث والتشويق، لا تستطيع، كمشاهد، أن تتجاهل بعض هنات السيناريو، وعلى رأسها تعدد الشخصيات، التي تظهر وتختفي، من دون تأثير درامي يُذكر؛ حتى لو تبرع أصحابها بالظهور كضيوف شرف ( مصطفى شعبان ونيللي كريم)، واللمسة الطريفة التي أضفاها ظهور بعضهم (بيومي فؤاد)، بعكس الزج بشخصيات من دون ضرورة درامية تُذكر ( غادة عادل ولبلبة)، وتجاهل بعضها غالبية الأحداث ( المكسيكي : أحمد فهمي)، وظهورها بعد فوات الأوان، وكأن الهدف مواصلة تأجيج الصراع، والإيحاء بأن ثمة جزءاً ثانياً للفيلم !
ملك الترسو
تحدثنا عن الثقة التي يوليها الجمهور، في الفترة الأخيرة، لأعمال المخرج بيتر ميمي، الدرامية التليفزيونية والسينمائية، وهي الثقة التي يتكرر صداها في الكم الهائل من ضيوف الشرف، الذين يستعين بهم في أفلامه، ويضعوا ثقتهم فيه، لكنني أود التوقف عند العلاقة الوطيدة التي ربطت بينه، والممثل أمير كرارة، بما يمكن القول إنه (مكتشفه الحقيقي)، ثم جاء فيلم «كازابلانكا»، ليوحي بأنه وجد فيه «ملك الترسو» الجديد؛ فالجمهور يتجاوب مع كل خلجاته، وسكناته، وفي مشاهد كثيرة يُسدي له النصح، ويُحذره، ويُصفق طرباً، وسعادة، عندما يثأر لنفسه من أعدائه، كما كان يحدث في أفلام فريد شوقي. ومع هذا الاكتشاف الذي يبدو مثيراً، والأيام وحدها كفيلة بالحكم على إمكان تحقيقه، يُضيف «ميمي»، إلى إمكاناته مزية جديدة تتمثل في توظيف بعض الوجوه التقليدية بشكل جديد، كما فعل مع إياد نصار وأحمد داش، وإن افتقد هذه الملكة مع عمرو عبد الجليل، الذي ترك له الحبل على الغارب، فما كان منه سوى أن أفرط في الارتجال، ووضع بصمته على الشخصية الدرامية بشكل انحرف بها قليلاً عن طبيعتها، وضروراتها الدرامية، وإن أنقذت الفيلم، في مواضع كثيرة . أما الشيء الذي يتناقض واختيار «كازابلانكا» موقعاً، ومحوراً، للأحداث، فيتمثل في الانصراف غير المبرر من جانب المخرج، ومن قبله المؤلف ثم المنتج، عن الاستعانة بأي من الممثلين المغاربة، والعمل على توظيف قدراتهم في الأحداث، بدلاً من أن ينطبق على الواحد منهم وصف «الغائب .. الغائب» !
( عن القاهرة)

التعليقات