نقابة الاطباء تعلن الحرب على البرامج الطبية في التليفزيون.. لهذه الأسباب

التجارة بإسم الطب باتت حالة سائدة تغطي غالبية أهداف البرامج الطبية على التلفزيون لتحول الأمر من برنامج يقدم بعض النصائح، وهو بالطبع سلوك مرضي، إلى غرض ربحي "بيزنس" هدفه حشد المرضى على عيادات من يدفع أكثر من "الأطباء"  دون خبرة فى العلاج وقدرة على الوصف الدقيق للأمراض،.

وفي ظل هذه "الفوضى الطبية" التى غزت الميديا فإن الأمر بات يحتاج إلى وقفة حاسمة  هذه الظاهرة التي انتشرت فى الفضاء المصرى، ولعل الأخطاء الطبية الناتجة عن هذه البرامج والتى وصلت إلى حد "الموت" تقدم من الأدلة ما يكفى لإدانة هذه البرامج وما تقوم به من أخطاء  ضد المرضى الذى صاروا ضحايا للداء والدواء الفضائي

ولذلك نخوض في غمار "فوضى البرامج الطبية"  فى محاولة لبلورة رؤية واضحة لتحديد أبعاد هذه الظاهرة وسبل وضع الحلول اللازمة لها .

"ن . ك" تبلغ من العمر 70 عامًا سقطت ضحية لطبيب مشهور يظهر باستمرار علي القنوات الفضائية متحدثًا في تخصص المخ والأعصاب معلنًا أثناء ظهوره عن أرقام وعناوين عيادته الخاصة ليوجه المشاهدين إلي الذهاب إليه وبالفعل تواصلت معه الضحية وكانت تعاني من آلام في الظهر نتيجة لانزلاقها عليه فأخبرها الطبيب أنها بحاجة إلي جراحة لتثبيت الفقرات القطنية وخضعت الضحية للجراحة لكنها تعرضت لمضاعفات داخل غرفة العمليات عبارة عن ثقب ولم يتطلع الطبيب إلي معالجة ذلك في الحال وأنهي العملية دون سد الثقب وهو ما أصابها بعد ذلك بوجود سائل في النخاع الشوكي فضلًا عن وجود صديد لتصبح السيدة أمام صدمة :" وثقت في الطبيب؛ لأنه مشهور ولأنه يظهر في التليفزيون ويعلن نفسه لكني سقطت ضحية لقلة خبرته وضعف مهارته"

والسؤال : كيف لطبيب أن يظهر في برنامج تليفزيوني ويعلن  نفسه ويجذب المشاهدين لعيادته الخاصة دون تأكد القناة من هوية الطبيب ودرجته العلمية وأنه يتحدث في تخصصه بالفعل ويقدم معلومات طبية دقيقة؟ وهذا المواطن الذي يشاهد الطبيب في التليفزيون كيف له أن يضمن أن هذا الطبيب لن يضره وأنه أهل ثقة ؟ كيف له أن يطمئن أنه بعد التواصل مع الطبيب لن يسقط ضحية لقلة خبرته ؟ والقناة التي تسمح للطبيب بالظهور عليها هل تحصل منه علي ما يثبت كفاءته الطبية أم تكتفي فقط بتقاضي أجر الفقرة الإعلانية التي يظهر خلالها علي الشاشة ؟

كارثة طبية تهدد صحة المواطنين يكشف عنها الدكتور إيهاب الطاهر عضو نقابة الأطباء في حديثة مع "بوابة الأهرام" فيقول إن لائحة آداب المهنة تمنع الطبيب من الترويج عن نفسه في وسائل الإعلام أو السوشيال ميديا وإلا يتحول ظهوره الإعلامي من توعية للمواطن إلي دعاية موضحة أن الترويج هنا يعني إعلان أرقام علي الشاشة للتواصل مع الطبيب أو عيادته .

متى يعاقب الطبيب ؟

بالرغم من أن ترويج الطبيب لنفسه عبر البرامج التليفزيونية يعد مخالفة واضحة للائحة آداب المهنة إلا أن النقابة العامة للأطباء لا تملك معاقبة الطبيب علي هذه المخالفة إلا إذا تقدم أحد من المواطنين بشكوى في النقابة أو أي من أعضاء النقابة في هذه الحالة تستدعي النقابة هذا الطبيب للتحقيق معه .

الرقابة خارج الخدمة

وزارة الصحة يمكنها أيضًا التحقيق مع هذا الطبيب المخالف ولكن في حال تقدم أي من المواطنين بشكوى ضده وذلك طبقًا لنص المادة رقم 18 من الدستور التي تنص علي أن الوزارة هي المعنية بالرقابة علي الإعلانات الصحية وبالرغم من ذلك تمتلئ شاشات التليفزيون بالبرامج التي تقدم الأطباء ليعلنوا أنفسهم مقابل مبلغ من المال يدفع الطبيب لإدارة القناة ليصبح بذلك "يشتري وقتًا لإعلان  نفسه" إذن ظهوره هنا بهدف "البيزنس" وشراء مواطنين لتوجيههم إلي عيادته الخاصة وليس بهدف تقديم التوعية لهم .

القناة مسئولة

الطبيب الذي يظهر علي الشاشة هو طبيب مجهول الهوية بالنسبة للمواطن الذي يشاهده فلم يعد يملك هذا المواطن القدرة علي التأكد من أن هذا الطبيب ذو كفاءة عالية في التخصص الذي يتحدث فيه لكنه يثق فيه بسبب ظهوره علي شاشة التليفزيون وهو ما يضع القنوات الفضائية في مقدمة تحمل مسئولية قلة خبرة هذا الطبيب؛ لأن القناة هي من تسمح له بالظهور وهي من تقدمه للمواطنين وبالتالي هي المسئولة عن المحتوي المقدم وما إذا كان محتوى علميا دقيقيا أم غير ذلك .

القانون 206 لسنة 2017

الأمر ليس هينًا خاصة أن ظهور الأطباء في البرامج التليفزيونية أصبح "بيزنس" لجذب المواطنين إلي عياداتهم الخاصة أكثر من كونه توعية لهم وعشرات الحالات التي تسقط ضحايا لهذه البرامج بعد أن اكتشفوا أن الطبيب الذي تواصلوا معه قليل الخبرة الطبية وليس أهلا للثقة تبرهن علي أن ظهور الأطباء علي شاشات التليفزيون وإعلانهم أنفسهم وأماكن عملهم دون ضبط لهذا الظهور يعد خطرًا جسيمًا يهدد صحة المواطنين حتى صدر القانون رقم 206 لسنة 2017 لوضع ضوابط لذلك وحماية المواطنين من خطر الوقوع فريسة لطبيب يهدف إلي تحقيق منفعة مالية وليس تقديم الوعي الطبي له .

وهذا القانون يحظر ظهور الطبيب في البرامج التليفزيونية إلا بعد حصوله علي ترخيص يفيد أنه طبيب بالفعل ومتخصص وأهل للحديث بمعلومات طبية وعلمية دقيقة وهذا الترخيص تقوم بمنحه لجنة يتم تشكيلها برئاسة وزارة الصحة وتضم ممثلين عن وزارات الصحة والسكان والتموين والداخلية والعدل ونقابات الإعلام والأطباء والصيادلة وممثل عن جهاز حماية المستهلك.

حل مع إيقاف التنفيذ !

بالرغم من أن هذا القانون وضع حلًا لفوضى البرامج الطبية وقدم ضمانًا للمواطن بأن الطبيب الذي سيشاهده علي شاشات التليفزيون هو طبيب بالفعل وأهل للثقة فيما يقدمه من نصائح طبية إلا أنه للأسف لم يفعّل حتى الآن فمنذ صدوره وحتى كتابة هذه السطور لم تُشكّل اللجنة التي ستمنح التراخيص وهُنا يفرض الاستفهام نفسه: "هل حياة المواطن خارج نطاق الخدمة ؟!"

يقول الدكتور خالد سمير،" إن القانون لم تصدر له لائحة حتى الآن وعلل ذلك بوجود مشكلتين الأولي عدم وجود جهة رقابية للبحث عن المخالفات وضبطها والثانية عدم تناسب العقوبة مع الفعل.

يضيف "سمير" أن القانون ينص علي تشكيل لجنة تقوم بمنح ترخيص للطبيب قبل ظهوره في الإعلام حتى يتم التأكد من هويته ودرجته العلمية قبل ظهوره في التليفزيون حفاظًا علي حياة المواطنين الذين يتلقون منه المعلومة وبدون وجود هذا الترخيص سيجد الطبيب عائقا في الظهور بأي من البرامج التليفزيونية ويوضح عضو نقابة الأطباء السابق أن هذا الترخيص يُحارب من بعض رجال الأعمال أصحاب المصالح إذ أن أغلب القنوات الفضائية ملك لرجال أعمال وظهور الطبيب في أي من القنوات يدر عليها أرباحًا طائلة؛ لأن ظهوره يعتبر فقرة إعلانية مدفوعة الأجر وفي حال تطبيق القانون 206 وضبط ظهور الأطباء الإعلامي سيخسر أصحاب القنوات أجر ظهورهم الذي يتقاضونه بآلاف الجنيهات لذا فإن القانون معطل وتشكيل اللجنة معطل بسبب مصالح عليا .

النقابة العامة للأطباء تقدمت بشكوى للمجلس الأعلى للإعلام طالبت فيها أن يخاطب المجلس جميع القنوات الفضائية بألا يستضيفوا أي من الأطباء ولا يسمحوا له بالظهور الإعلامي إلا بعد تقدمه بالتصريح الذي يحصل عليه من اللجنة المشكلة بموجب "القانون 206" - غير المفعل حتي الآن - لكن المجلس لم يرد علي الشكوى.

الأعلي للإعلام: منقدرش نطبقه

وبالتواصل مع المجلس الأعلى للإعلام لمعرفة وضع الشكوى ولماذا لم يتم ضبط الظهور الإعلامي للأطباء حتى الآن، وجاءت الإجابة من مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الذي قال لـ"بوابة الأهرام" إن الشكوى التي تقدمت بها النقابة العامة للأطباء تم عرضها علي المستشار القانوني في المجلس ورأي أنه لا يمكن منع الطبيب من الظهور الإعلامي قائلًا: "منقدرش نمنع طبيب من ظهوره في الفضائيات". (الأهرام)

التعليقات