الناقد مجدي الطيب يكتب عن " انحياز مهرجان الجونة " !..

بعد تسعة أيام حافلة بالحيوية، النشاط، والزخم، انقلبت فيها أحوال مدينة «الجونة»، الهادئة، القابعة على ساحل البحر الأحمر، رأساً على عقب، اختتمت الدورة الثالثة لمهرجان الجونة السینمائي ( 19 - 27 سبتمبر 2019) أعمالها، بمنح «جائزة الإنجاز الإبداعي»، للنجم المصري محمد هنيدي، والنجم الأميركي الشهير ستيفن سيجال، الذي جاء ظهوره في حفل الختام، مفاجأة بكل المقاييس؛ حيث لم يُعلن، من قبل، عن حضوره !

استدعى الظهور المفاجيء للنجم العالمي ستيفن سيجال، الكثير من الذكريات الجميلة لأبناء جيلي، ممن أسعدهم، يوماً، النجم الذي ذاع صيته، في سنوات الثمانينيات ونهاية التسعينيات، وكان الأبرز بين نجوم أفلام الحركة، في السينما الأميركية؛ مثل : سيلفستر ستالون، شاك نوريس، أرنولد شوارزينجر، دولف لاندجرين، جان كلود فان دام و بروس ويليس، بعد ما دخل عالم السينما من خلال فن "الإيكيدو"، أحد الفنون القتالية اليابانية، وبزغ نجمه عام 1992، عقب قيامه ببطولة فيلم UNDER SIEGE، الذى بلغت إيراداته حوالي 156 مليون دولار، لكن وصوله المتأخر حال دون ترتيب مؤتمر صحفي له، وترتيب لقاء بينه والصحفيين، وهو الخطأ الفادح، الذي تتحمل مسئوليته إدارة المهرجان !
الانحياز للسينما العربية !
باستثناء هذه المفاجأة السارة، التي لم تكتمل بالشكل المطلوب، شهد حفل الختام، إعلان نتائج وتوزيع جوائز الدورة الثالثة، التي توصلت إليها لجان تحكيم المسابقات الرئيسة الثلاثة، وبلغت قيمتها المادية قرابة 224 ألف دولار أمريكي، وجاءت قريبة للغاية من التكهنات المُسبقة، ما يعني أن لجان التحكيم التزمت النزاهة، والموضوعية، ونأت بنفسها عن المجاملة؛ وإن بدت لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، التي ترأسها المخرج المصري خيري بشارة، وضمت في عضويتها : المنتجة والمخرجة مي مصري (فلسطين)، مدير مهرجان سيدني ناشين مودلي (جنوب أفريقيا)، مهندس الصوت رسول بوكاتي (الهند) والناقد ستاس تيركين (روسيا)، أكثر انحيازاً للسينما العربية، بشكل أثار الدهشة؛ فمن بين ست جوائز حددتها لائحة المسابقة، منحت اللجنة أربع جوائز للأفلام والنجوم العرب؛ فإذا كان المنطق يُحتم أن تذهب جائزة نجمة الجونة لأفضل فيلم عربي (نجمة الجونة وشهادة و20000 دولار أمريكي) لفيلم عربي هو الجزائري "بابيشا"، إخراج مونية مدور، فمن غير الطبيعي أن تحصد الأفلام العربية وحدها بقية الجوائز؛ حيث حصد الفيلم السوداني "ستموت في العشرين"، إخراج أمجد أبو العلا، جائزة نجمة الجونة الذهبية (نجمة الجونة وشهادة و50000 دولار أمريكي)، وانتزع الفيلم المغربي "آدم"، إخراج مريم توزاني، جائزة نجمة الجونة البرونزية (نجمة الجونة وشهادة و15000 دولار أمريكي)، وحتى جائزة نجمة الجونة لأفضل ممثلة (نجمة الجونة وشهادة) منحتها لجنة التحكيم للممثلة العربية هند صبري عن دورها في فيلم "حلم نورا"، واكتفت، وكأنه مهرجان للسينما العربية، بمنح جائزتين فقط للسينما العالمية؛ أولهما جائزة نجمة الجونة الفضية (نجمة الجونة وشهادة و25000 دولار أمريكي) للفيلم البولندي"عيد القربان" للمخرج يان كوماسا، وجائزة نجمة الجونة لأفضل ممثل (نجمة الجونة وشهادة) لبطل الفيلم نفسه بارتوش بيلينا !
المفارقة أن النهج الذي اتبعته لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، من إنحياز سافر للسينما العربية في مسابقة يُفترض أنها عالمية، لم يكن بعيداً عن ذلك الذي لجأت إليه لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، برئاسة المخرج والكاتب والمنتج السنغالي موسى توريه، وعضوية : المخرجة والمنتجة آن أجيون (الولايات المتحدة الأمريكية)، المخرج والمنتج وكاتب السيناريو طلال ديركي (سوريا)، مصممة الأزياء ناهد نصر الله ( مصر) والمستشارة والمبرمجة لودميلا سفيكوفا (هولندا)، الموضوعية، والحيادية، التي أعطتها لائحة المسابقة الحق في منح أربع جوائز فما كان منها سوى أن خصصت ثلاث منها لثلاثة أفلام عربية؛ فإذا كان من المتوقع أن تذهب جائزة نجمة الجونة لأفضل فيلم عربي (نجمة الجونة وشهادة و10000 دولار أمريكي) للفيلم اللبناني الفلسطيني "إبراهيم، إلى أجل غير مسمى"، إخراج لينا العبد، فلم يكن متوقعاً أن تحصد السينما العربية بقية الجوائز؛ مثلما فعل الفيلم السوداني "حديث عن الأشجار"، إخراج صهيب قسم الباري، الذي استحق جائزة نجمة الجونة الذهبية (نجمة الجونة وشهادة و30000 دولار أمريكي) وذهبت جائزة نجمة الجونة الفضية (نجمة الجونة وشهادة و15000 دولار أمريكي) للفيلم الجزائري "143 طريق الصحراء"، إخراج حسن فرحاني، بينما ذهبت الجائزة الوحيدة غير العربية للفيلم الأفغانستاني "كابل، مدينة في الريح"، إخراج أبوزار أميني، الذي انتزع جائزة نجمة الجونة البرونزية للفيلم الوثائقي الطويل (نجمة الجونة وشهادة و7500 دولار أمريكي) .
على صعيد مسابقة الأفلام القصيرة ، كانت لجنة التحكيم، التي ترأسها المخرج المصري مروان حامد، وضمت في عضويتها : الكاتب والمنتج والمخرج محمد الدراجي (العراق)، مدير مهرجان تامبيري يوكا بيكا لاكستو (فنلندا)، الممثلة درة زروق (تونس)، المخرجة والمصورة خوانيتا أونزاجا (كولومبيا)، أكثر موضوعية، وبانورامية في نظرتها؛ حيث منحت نصف جوائزها لفيلمين عالميين؛ أولهما الهولندي "امتحان"، للمخرجة سونيا ك. حداد، الذي استحق جائزة نجمة الجونة الذهبية (نجمة الجونة وشهادة و15000 أمريكي)، والثاني برازيلي إسباني بعنوان "لحم" للمخرجة كاميلا كاتر، وحصد جائزة نجمة الجونة البرونزية (نجمة الجونة وشهادة و4000 دولار أمريكي)، كما نوهت إلى الفيلم الإسباني "السادس عشر من ديسمبر"، إخراج ألفارو جاجو دياز، ولم تكن قراراتها بعيدة عن الإجماع السائد؛ عندما منحت جائزة نجمة الجونة الفضية (نجمة الجونة وشهادة و7500 دولار أمريكي) للفيلم اللبناني "أمي" للمخرج وسيم جعجع، وتعاطفت مع قضية الفيلم الأردني "سلام"، للمخرجة زين دريعي، فمنحته جائزة نجمة الجونة لأفضل فيلم عربي قصير (نجمة الجونة وشهادة و5000 دولار أمريكي) .لكن اللافت، والمثير للدهشة، أن اللجنة تجاهلت عدداً من الأفلام العالمية المتميزة؛ ربما لمحدودية الجوائز التي تمنحها؛ فما كان منها سوى أن ظلمتها، كما فعلت مع الفيلم الروسي "خدمة التوصيل"، إخراج فلاديمير كوبتسيف وإيلينا كوبتسيف والفيلم الإيطالي "الرجل الذي لم يرغب في مغادرة منزله"، لإخراج سافينو جينوفيزي !
الإنسانية لها مكان في الجونة
في الوقت الذي أرضت فيه جائزة "سينما من أجل الإنسانية" (نجمة الجونة وشهادة و20000 دولار أمريكي)، التي يمنحها جمهور المهرجان لفيلم يُعنى بالقضايا الإنسانية، غرور من أحب، وأعجب، بالفيلم الفرنسي "البؤساء"، إخراج المالي لادج لي، انفردت لجنة تحكيم «الفيبريسي»، في خطوة خارج سياق التكهنات والتوقعات، بمنح جائزتها للفيلم اللبناني "1982"، إخراج وليد مونس، الذي لم يأت على ذكره أحد، على الإطلاق، بعكس جائزة لجنة تحكيم شبكة تعزيز السينما الآسيوية "نيتباك"، التي منحت جائزتها للفيلم الأفغاني "كابل، مدينة في الريح"، بوصفه أفضل فيلم آسيوي، فاتفقت في رأيها هذا مع لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة .
انتهت أعمال الدورة الثالثة لمهرجان الجونة السينمائي، الذي صار بمثابة منصة سينمائية مهمة لدعم ورعاية شباب السينمائيين العرب، ومشاريعهم السينمائية؛ كما حدث في منصة الجونة، التي انعقدت على هامش المهرجان، ومنحت جوائزها المالية والعينية، التي قُدرت ب 210 ألف دولار، للمشاريع في مرحلة التطوير، والأفلام في مرحلة ما بعد الإنتاج، والتعجيل بخروجها جميعاً للنور؛ حيث يحصل المشروع الفائز على «شهادة منصة الجونة السينمائي»، بالإضافة إلى جائزة مالية تتراوح بين 5 و 50 ألف دولار ، وهو الدور الذي يتحمل المهرجان عبئه، ليُصبح جزءاً من الصناعة، ويقوم بدور أكبر الظن أن الدولة نفسها عجزت عن القيام به !

(من صفحته)
 

التعليقات