جاهين والأبنودى .."فى الليلة الكبيرة .. ياما كلنا برتقان "

 

ما يجمع صلاح جاهين وعبد الرحمن الابنودى اكثر بكثير من الرحيل فى يوم واحد " ٢١ ابريل " ١٩٨٦و ٢٠١٥ " ، فنحن امام شاعرين كبيرين كتبا اجمل القصائد الشعرية بالعامية ، وكتبا المئات من الاغانى العاطفية والوطنية ، وغنى لهما عبد الحليم حافظ وعددا من كبار الفنانين ، حيث كان حليم صوت ثورة ١٩٥٢ وصلاح كان منشد الثورة وشاعرها الاول ، وحين وقعت هزيمة ١٩٦٧ بدأت رحلة صلاح جاهين مع الاكتئاب ، فيما تسلم الابنودى الراية وكتب " عدى النهار " التى كانت صرخة لرفض الهزيمة ، وبعد رحيل جمال عبد الناصر الذى كتب له جاهين اجمل الاغانى الوطنية على الإطلاق ، فقد جاهين اكثر من نصف وزنه وفقد القدرة على الحلم ، ولم تساعده الرباعيات التى كانت اقرب الى كتب الفلسفة والحكمة اكثر منها شعرا وفنا ، فى انقاذه من الاكتئاب بعد ان كتب " أوبرا على كل ترعة " وحتى الفرح الذى مايزال يوزعه علينا الى الان فى الليلة الكبيرة ، والاف الرسوم الكاريكاتيرية ، ضاع بسبب هزيمة ٦٧ التى اعتبر جاهين نفسه مسؤولا عنها ، لانه ببساطة بشر بانتصارات دائمة ، وأمن بالثورة وجمال عبد الناصر ، والمثير ان اكتئابه انتقل الى سندريلا السينما سعاد حسنى ، التى كانت تعتبر جاهين والدها الروحى ، وقدمت " هو وهى " مع الفنان الراحل احمد زكى ، ليجتمع اجمل من أنجبت مصر معا شعرا وغناء وتمثيلا ، ومع رحيل صوت الثورة عبد الحليم حافظ ، اغلقت مصر صفحة من اجمل صفحات قوتها الناعمة ، الشعر والغناء والتمثيل .
اما الخال عبد الرحمن الابنودى فقد بدا مسيرته قادما من ابنود فى صعيد مصر مع رفيق دربه أمل دنقل ، وحفرا فى الصخر لكى يجدا مكانا لهما فى دولة الشعر ، وحين بدأت رحلة النجاح رحل أمل دنقل مبكرا فى الغرفة رقم ٧ فى معهد السرطان ، فيما واصل الابنودى رحلة الشعر بصعود سريع ، وكانت كلمة السر فى نجاحه الاغنية ، وهو الطريق نفسه الذى سار فيه صلاح جاهين ، وأكمل المسيرة مع عبد الحليم حافظ ، ولكن ماميزه انه حافظ على لونه الأسمر الصعيدى ، فكتب حراجى القط عن بناء السد العالى ، وذهب الى السويس ايام حرب الاستنزاف وكتب وجوه على الشط ، والاهم نجاحه فى تجميع السيرة الهلالية اهم صفحات التراث الشعبي المصري والعربي .
جاهين الفنان الشامل ، رسّام كاريكاتير يحمل كرباج سياسي ، وكثيرا ماكانت رسومه تصادر ، كان ينافس كبار الكتاب من خلال رسومه ، وكان يلقي شعره بصوته الاجش ، ويحلم بان يلعب فى السيرك ويقدم فقرة البهلوان ، ولكنه كان فليسوفا بصوت شاعر ، عاش الانتصارات وساهم فيها ، والانتكاسات التى لم يتبرا من مسؤليته عنها ، حتى قرر ان يخرج من المسرح والدنيا كلها " شيلنى شيل .. لا دخلتها برجليا ولا كان لى ميل "
اما الخال فقد تغلب على كل مشاعر الاكتئاب ، وكان يعتبر الالم والحزن ضعفا ، وهو القادم من الصعيد الجوانى ، حيث الحياة الصعبة والشاقة ، ولذلك كان كل يوم يخطو للأمام ، وقاده ذكاءه لكتابة الاغانى الشعبية خصوصا ، وغنت مصر معه تحت الشجر ياوهيبه ولعلع محمد رشدى بعد ان كاد يعتزل الغناء ، ثم غنى عدوية عن بنت فلاحة بيجسبكة كانت تعمل خادمة ، فاستحق الابنودى ان يكون صوت الغلابة والمهمشين من حراجى القط فى السد العالى ، الى وجوه المقاومة فى السويس التى غنى لبيوتها الفنان النوبي الأسمر محمد حمام " يابيوت السويس .. يابيوت مدينتى   ولعم ابو رية الذى اقسم بان يعود معه للسويس بعد النصر ، وكما صدم جاهين فى الهزيمة صدم الخال فى عصر الانفتاح فكتب " سوق العصر " عاوز تشيل سامسونيت .. وتقول جود نايت " ، وكان مرضه لسرطان الرئة اخر معارك الابنودى التى استعد عليها ، فى بيته ومقبرته فى الإسماعيلية ، ليرحل فى نفس يوم رحيل صلاح جاهين ، لتفقد مصر إجمال أصواتها بالعامية ، ولكن العزاء آلاف الاغانى والقصائد لاتجعل الشعراء يرحلون ، كما يقول شاعر اخر كبير من شعراء العامية وظف شعره للنضال وهو الشاعر زين العابدين فؤاد الذى نحتفل غداً بعيد ميلاده ، مواصلا رحلة وفؤاد حداد وبيرم التونسي وبديع خيري والأبنودى وامل دنقل والأبنودى ، اجمل شعراء العامية فى تاريخ مصر 
التعليقات