مارتن لوثر كينج.. زعيم مناهضة العنصرية فى العالم

"الظلام لا يمكن أن يطرد الظلام، الضوء فقط يستطيع أن يفعل ذلك، الكراهية لا يمكن أن تطرد الكراهية، الحب فقط يمكن أن يفعل ذلك"
تلك الكلمات هتف بها واحداَ من أهم وأبرز الشخصيات المناضلة للحصول على حقوق الزنوج الأمريكيين المناديين بالمساواة إنه المناضل الأمريكي “مارتن لوثر كينج”
ولد “مارتن لوثر كينج” في الخامس عشر من يناير 1929 بمدينة أتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية وتمتد جذوره إلى القارة الإفريقية، عمل والده راعياً في الكنيسة المعمدانية بأتلانتا، وكان أحد المشاركين في حركة نضال الأفارقة للدفاع عن حقوقهم، وحقوق الأقليات، هذا الأب الذي أكمل مسيرته الابن بعد ذلك .


ترسخ الشعور بالتفرقة العنصرية في عقل مارتن منذ الصغر والذي استشعره في كل شيء من حوله، فهو كطفل أسود يحرم عليه اللعب مع أقرانه من الأطفال البيض، بناء على توجيهات الأمهات البيض، ومن هنا كانت البداية فبدأ مارتن يفهم كيف تسير الأوضاع في دولة جلب أجداده إليها لكي يعملوا كعبيد للرجل الأبيض، فلا توجد مساواة أو حرية أو حقوق للمواطن الأسود
تم تعيين مارتن عام 1947 كمساعد في كنيسة أبيه، ثم حصل على درجة البكالوريوس في الآداب عام 1948، ولم يكن عمره يزيد على 19 عاما، حينها التقى بفتاة تدعى “كوريتاسكوت” وتزوجا عام 1953، ثم حصل بعد ذلك على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة بوسطن


بعد زواجه بعام واحد قدم مارتن وزوجته إلى مدينة مونتجمري التي كانت ميدانا لنضاله، وهناك كان السود يعانون العديد من مظاهر الاضطهاد والاحتقار، حيث كان يطلق عليهم “النسانيس السوداء”، وكانت هناك مقاعد المواصلات العامة في المدينة مخصصة للبيض فقط، وكان ممنوعا على السود الجلوس عليها، وفي 1955 وقعت حادثة رفضت فيها سيدة أن تخلي مقعدها لراكب أبيض، فما كان من السائق إلا أن استدعى رجال الشرطة الذين ألقوا القبض عليها بتهمة مخالفة القوانين، فما كان من لوثر إلا أن هب مناضلا من أجل الدفاع عن المرأة ولكنه أتخذ مبدأ اللاعنف أو المقاومة السلمية، والذي يعد وسيلة للضغط السلمي فيدعو هذا المبدأ إلى المقاطعة والاعتصام والامتناع عن الطعام أو العصيان المدني، وهو ما كان حيث دعا لوثر إلى مقاطعة لشركة الحافلات والتي يمثل الأمريكان الزنوج نسبة كبيرة من ركابها مما كان له بالغ الأثر على إيراداتها والتي تقلصت كثيراً، ودامت هذه المقاطعة حوالي 382 يوم، إلى أن أصدرت المحكمة العليا بأمريكا في ديسمبر 1956 قرارها بعدم دستورية القوانين التي تعزل المواطنين السود في وسائل النقل، وأنه يجب أن يستقل المواطنين السود والبيض الحافلات على قدم المساواة .
وكان هذا أول انتصار حققه مارتن في حربه السلمية ضد التفرقة العنصرية،

وفي سبيل ذلك وحينما لم تجد السلطات سببا لاعتقاله قامت بإلقاء القبض عليه بتهمة قيادة سيارته بسرعة 30 ميلا في الساعة، في منطقة أقصى سرعة مسموح بها هي 25 ميلا، وكان ذلك أول اعتقال في حياة المناضل ، والذي جعل نظرته أكثر عمقا حيث لمس المعاملة السيئة التي يعامل بها السود داخل السجون.


زادت خطورة مارتن لوثر على السلطات بعد أن زادت شعبيته بصورة كبيرة، فحاولت اغتياله بإلقاء قنبلة على منزله كادت أن تودي بحياة ابنه وزوجته .

انتقل كينج إلى معركة أخرى وهي حق المواطنين الأمريكان من ذوي الأصول الإفريقية في الانتخاب، فقام بمهاجمة كل من الحزب الجمهوري والديمقراطي في إحدى خطاباته مطالباً بحق السود الانتخابي، ونجح في هذه الجولة أيضاً فتم تسجيل خمسة ملايين من الأمريكان الأفارقة في سجلات الناخبين في الجنوب .
وفي عام 1957 تم انتخابه رئيسا لمؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية، وهي منظمة تدعم حركة الحقوق المدنية، وحصل في نفس العام وهو في السابعة والعشرين من عمره على ميدالية “سينجارن” والتي تمنح سنوياً للشخص الذي يقدم مساهمات فعالة في مواجهة العلاقات العنصرية .
دعا مارتن للقيام بسلسلة من المظاهرات في برمنجهام أملاً في تغيير الأوضاع السائدة من عنصرية واضطهاد للسود، فقامت أولى مظاهراته الرمزية في الطريق العام، ولم تمر هذه المظاهرة بسلام فما لبث أن اقتحم رجال الشرطة المظاهرة بالعصي والكلاب البوليسة ووقعت الكثير من الاشتباكات بين الزنوج ورجال الشرطة

وعقب المظاهرة صدر أمر قضائي بمنع المظاهرات والاعتصامات وكافة أشكال الاحتجاج، فهب كينج معارضاً الحكم القضائي وقاد مظاهرة في برمنجهام وسار خلفه مئات المتظاهرين يرددون هتاف “حلت الحرية ببرمنجهام”، فتم إلقاء القبض عليه وأودع سجنا انفرادياً
عقب خروجه من السجن استمر مارتن في تنظيم المظاهرات محاولاً تشكيل ضغط على البيض من أجل الجلوس للتفاوض، وبالفعل اجتمع الطرفين معاً وتم الاتفاق على عدة بنود منها إلغاء التفرقة وإقامة نظام عادل والإفراج عن المتظاهرين، إلا أن هذا الاتفاق لم يُفعل فقامت بعض الأفراد بإلقاء القنابل على منازل القادة الزنوج، ووقعت العديد من المصادمات، وتم إعلان حالة الطوارئ.
وجاء عام 1963 ليشهد واحدة من أكبر الثورات التي شهدتها أمريكا فتجمع حوالي 250 ألف شخص منهم حوالي 60 ألف شخص من البيض واتجهوا نحو نصب لينكولن التذكاري للمطالبة بحقوقهم المدنية، وشهدت هذه المظاهرة إلقاء مارتن لأروع خطبه وأكثرها قوة والتي كانت بعنوان ” لدي حلم”


ومن أهم ما جاء فيها :-
عندى حلم بأنه فى يوم ما على تلال جورجيا الحمراء سيستطيع أبناء العبيد السابقون الجلوس مع أبناء أسياد العبيد السابقين معاً على منضدة الإخاء ، وهذا هو أملنا هذا هو الإيمان بأنه عندما أعود إلى الجنوب بهذا.. بهذا الإيمان سنكون قادرين على شق جبل اليأس بصخرة الأمل بهذا الإيمان سنكون قادرين على تحويل أصوات الفتنة إلى لحن جميل من الإخاء بهذا الإيمان سنكون قادرين على العمل معاً والصلاة معاً والكفاح معاً والدخول إلى السجون معاً والوقوف من أجل الحرية معاً عارفين بأننا سنكون أحراراً يوماً ما .
عندى حلم بأنه فى يوم ما سيعيش أطفالى الأربعة بين أمة لا يُحكم فيها على الفرد من لون بشرته، إنما مما تحويه شخصيته .
عندى حلم بأنه فى يوم ما ستنهض هذه الأمة وتعيش المعنى الحقيقى لعقيدتها الوطنية بأن كل الناس خلقوا سواسية
هذا هو أملنا.. دعوا أجراس الحرية تقرع وتنشد.. أحرار في النهاية! أحرار في النهاية! شكرا يا رب، نحن أحرار في النهاية!".
حصل مارتن لوثر كينج على شخصية العام من مجلة تايم فى هذا العام، وبعدها حاز نوبل للسلام فى 1964، وكان عمره 35 سنة.


طعنة أخرى سددت في قلب الحرية عندما ألقيت قنبلة على الكنيسة المعمدانية التي تزخر بتلاميذ من الزنوج يوم الأحد بمدينة برمنجهام، وحاول مارتن بأقصى جهد منع تفجر العنف عقب هذا الحادث البشع
وخلال 11 عام ما بين 1957- 1968 لم يهدأ مارتن كينج في الدفاع عن الحقوق المدنية للزنوج الأمريكان، سافر فيها لأكثر من منطقة وألقى العديد من الخطب، وكانت له مشاركات فعالة في أي منطقة يوجد بها ظلم أو مظاهر للاحتجاج، وألف خمس كتب، وكتب العديد من المقالات، وقاد مظاهرات ضخمة جذبت اهتمام العالم كله، كما ألقي القبض عليه حوالي 20 مرة، وتعرض للاعتداء أكثر من أربع مرات.
وظل كينج لأخر يوم في حياته حاملاً على كاهليه قضايا الزنوج ومشاكلهم مثل قضايا الفقر وأهمية إعادة توزيع الدخول بشكل عادل، والعنصرية والتفريق بين الرجل الأبيض والأسود
تعرض مارتن للعديد من محاولات الاغتيال والتي لم تنجح أي منها في النيل منه وكانت واحدة منهم على يد إحدى السيدات في سبتمبر 1957، عندما حاولت طعنة بفتاحة خطابات، وكاد مارتن أن يفقد حياته على إثرها، ولكن قدر له أن يحيا ليستمر في مقاومته للعنصرية
ثم جاءت النهاية بولاية ممفيس في مساء الرابع من إبريل 1968 عندما تم اغتياله بطلقات رصاص أطلقها عليه أحد المتعصبين يدعى جيمس ارل راي أثناء وجوده في شرفة فندقه، وذلك أثناء تواجده بممفيس لتأييد إضراب “جامعي النفايات
وحكم على القاتل بالسجن 99عاماً، وقد أفادت التحقيقات بعد ذلك عن أن هذا الاغتيال ربما يكون مدبراً وأن جيمس رأي ما هو إلا مجرد أداة لتنفيذ الاغتيال لتنتهى بذلك قصة واحدِ ممن وهب عُمره مناضلا ومكافحا من أجل المناداه بالمساواه
وبلاشك سيظل اسم ” مارتن لوثر ” مرتبطا للأبد بالدعوة للحرية ونبذ العنصرية

التعليقات