روجينا.. الفنانة التي فصلتني من العمل

بحكم عملي كصحفي في قسم الرياضة، طلب مني رئيس التحرير إجراء بعض الحوارات الصحفية. العاملون في الصحافة يعرفون أن إجراء حوار مع مصدر غير مصدرك ربما يسبب أزمة مع بعض زملائك.. لذا أمسكت بهاتفي وبدأت أبحث في أجندة مصادري، وخلال عملية بحثي، إذا بصوت أجش جهوري عال يصطدم بأذني. في البداية، ظننت أنه شخصا يستنجد بآخر، نظرا لأن هناك مصيبة ما تواجهه.

تركت مكتبي وتحركت سريعا إلى الشارع، وكلما شعرت بأني أقترب من الصوت، أجد نفسي مازلت بعيدا ولا أعرف مصدر الصوت.. ظللت ماشيا على قدمي لمدة 3 أيام، تخطيت حدود 4 محافظات ومازلت أمشي.. ومع غروب شمس اليوم الرابع، وصلت إلى رأس سدر في محافظة جنوب سيناء.. كنت قد قررت الرجوع إلى الديار، خاصة أن رئيس التحرير كلمني وطلب مني سبب واضح للتغيب عن العمل، لم أستطع بطبيعة الحال أن أخبره أن ما حدث كان ظرف إنساني، حقيقة الأمر أنه حدث مبهم.

وصلت رأس سدر واقتربت كثيرا من مصدر الصوت، ظللت أمشي لبعض الوقت وأنا أمر على الديار ديار ليلى وعبلة وقرى أخرى، إلى أن وجدت نفسي أمام المصدر. في البداية لم أستطع احتمال الصوت، كادت طبلة أذني أن تنفجر، انهارت أعصابي وخارت قواي، ووقعت على الأرض مغشيا علي.

بعد ساعة، أفقت فوجدت أمامي نقيب المهن التمثيلية الدكتور أشرف زكي، يقف أمامي مبتسما معتذرا، نظرت حولي فوجدت نفسي مستلقيا على الكنبة في منزله، وبجانبه أخته الفنانة ماجدة زكي وزوجته الفنانة روجينا.. "حمد الله عالسلامة يا أستاذ"، قالها النقيب بابتسامته المعهودة، شكرته على رقته وذوقه العاليين، وقبل أن أنهض، أوقعني الصوت مرة أخرى على الأرض، نظرت حولي فوجدت الفنانة روجينا تحييني بكلمات لم أفهمها بسبب ارتفاع حدة الصوت.

للحظة، ظننت أنني سأموت الآن، إلا أن أشرف أشار لها بيده لتتوقف عن الكلام، مد يده إلى درج، سحب جهازا ما يوضع على الأذن، وأعطاني إياه لأستخدمه. وفي لمحة سريعة، عرفت أنه جهازا لتنقية الصوت وتقليل الديسيبيلز ليستطيع الإنسان العادي سماعة، ولاحظت لأول مرة أن كل من حولي يرتديه.

نظرت لي الفنانة ماجدة زكي بخفة ظلها المعهودة وقالت: مانت اللي غلطان.. كان لازم تلبس قبل ما تعدي..

ضحكنا جميعا واعتدلت في جلستي. كنت أظن أن صوت روجينا في المسلسلات التي أشاهدها ليس حقيقي وأنهم يستخدمون خدعة ما ليصبع أعلى وأكثر حدة، لكني الآن عرفت الخدعة الحقيقية.

سألني النقيب: ها، احكيلي بقى إيه اللي جابك هنا؟

أجبته ببساطة أن شيء من بعيد ناداني وأنا في القاهرة ولم أكن عرف مصدر الصوت، فمشيت ورا إحساسي إلى أن قادتني قدماي إلى هنا، بالمناسبة أنا لي 4 أيام لم آكل شيئا. ضحك النقيب بشدة وضحكت الفنانة ماجدة زكي وضحكت الفنانة روجينا، ووجدتها تضع جهازا غريبا على فمها، عرفت لاحقا أنه يقلل من ديسبلس الضحك، لأن جهاز الصوت لا يستطيع فلترتها.

هدأ النقيب من روعي وبدأت الفنانة ماجدة زكي تحكي لي أنه ليس في الأمر ما يقلق، وليس في الأمر ما يزعج، وليس في الأمر ما يرعب، وليس في الأمر ما يجعلنا نخاف. كل ما في الأمر أن روجينا كانت تهنيء ماجدة بدور جديد حصلت عليه.

اندهشت جدا، وأصابني الاستغراب للغاية، وأصبحت مدهوشا فاغرا فمي، إذ أنني لم أفهم حتى الآن سر الصوت العالي الذي تتحدث بهر وجينا.

بدأت روجينا نفسها في الحديث معي، أخبرتني أنها تحاول أن تصل بصوتها هذا إلى العالمية، خاصة وأن الأمر الآن في عالم السياسة أصبح غير متقبل، ولم يعد العالم يسمع فيه شخصا لآخر، ما جعلها تتجه لاستغلال موهبتها.

قمت من مكاني، وشكرت الأسرة الكريمة على ضيافتي، حاولت أن أخلع جهاز السمع وأعيده لهم لكن أشرف حذرني، لأن بقايا الصوت ستعلق بأذني لمدة أسبوع.

عدت إلى العمل فوجدت أن رئيس التحرير قد فصلني عن العمل.

التعليقات