ماذا حدث معي في التحقيق ؟.. الآن أتكلم! "بقلم مش إبراهيم عيسى"

الكلام فى مصر أصبح عليه جمرك، وواضح أن الجمارك صارت غالية جداً بعد ارتفاع الدولار التاريخى، وواضح كمان أن مُجرَّد الكلام لم يعُد مقبولاً مثلما كان فى الماضى، وكأننا بندور فى دائرة مفرغة إلا من زعل وقمص السادة المالكين لكُل سلطة ما عدا الكلام الذى يعملون على تأميمه!

جلست  في مقهى مفتوح على الشارع بلا جدران أمام هيئة تحقيق غريبة  ليس فيها قضاة ، والمُشكلة من  سبعة عشر عضواً كوَّنتهم لجنة مُنبثقة من لجنة، كانوا ظرفاء معى لدرجة أنهم طلبوا لى شاى فتلة، فى مثل هذه المقاهي  يُعتبر الشاى الفتلة ترفاً ونوع من التكريم، لم يوجهوا لى إساءات مُباشرة، كان التحقيق إساءة لهم لوحدهم!

يا أخى لما إنتوا مش لاقيين أسئلة، تحبوا أسأل أنا؟ حتى الآن مكنتش عارف هو حلم واللا علم؟ نظروا لبعضهم البعض، وتخيلت أن واحد منهم هيقول لى هات كفَّك نقراه، أو يقعدونى على كُرسى الاعتراض، ربما حقنونى بمصل الحقيقة لأعترف بجريمة لم أرتكبها، كُل هذا لم يحدُث، وسألنى أحدهم وهو يشدني بعنف من حمالاتي "إنت بتكتب كام ساعة فى اليوم؟!"

دم (الحسين) يسيل أمام عينى، والفتنة الكُبرى تتجلى وتتسلى وتتلوى فى مواجهتى، هل هو حلم أم علم، أم برنامج حيلهم بينهم، لا أدري، مقر التحقيق فى المقهى يحوطه الماء والرمل فجأة  من كُل الجهات متفهمش إزاى، أجبته "أكيد أكتر من عدد مرَّات الأكل وتناول دواء الضغط" وجاء السؤال الثانى بديهياً لدرجة البلاهة "إنت عندك ضغط؟" إجابتى كانت "حتى الآن لا، لكنه أكيد جاى فى الطريق!"

ماذا جرى؟ هل يُحاسب صاحب الرأى على رأيه بنفيه فى مثل هذا المقهى الغريب؟! أكاذيب التاريخ لم ترحم أحداً، لقد صنعوا من (عرابى) بطلاً، بينما التاريخ يؤكد أنه ليس كذلك، هذه محاولاتهم لجعلي بطلا من ورق مثل (عباس الشرقاوي) أخو (أدهم الشرقاوي) من الأم بس، لن أسمح لهم، وسألنى آخر "بتدخُل الحمام كام مرَّة فى اليوم؟" أجبته "كُل ما بشوف جلسات مجلس العموم البريطانى طبعاً!"

كان المعنى فى بطن الشاعر، والشمس فى مستقر لها فوق رؤوسنا، الزملاء فى الخارج ينتظرون فى مراكب شراعية، هل يتم الزج بى فى السجن زى آخرين؟ أم يقرروا إعدامى؟ ويلٌ لكاتب فى عصر الشاي الفتلة، وهل هذا جزاء من استغنى عن البدلة والكرافته والمظاهر الكاذبة، واكتفى بالحمالات الرخيصة من وكالة البلح؟!

يا بلدنا المكلومة بالمش عارف إيه، والناس اللى مش عارفة حاجة، السياسة صارت كالبسطرمة والبيض عليها كتير، حققوا معى وسألونى كثيراً عن سعر الزيت والسكر فى السوق السوداء، لا أدرى ما علاقة ذلك بتُهمتى التى لم أعرفها بعد، ولكنى أعدت عليهم السؤال "لو وزير التموين يعرف سعرهم هعرف أنا كمان!"

أفرجوا عنى بكفالة، ومن حسن الحظ كان مع الزملاء مركباً شراعياً أخذنا بعيداً عن المقهى، عزمتهم على حفلة تلاتة فى فيلم "مولانا"، الرأى ينتصر فى النهاية، ولنا من العبر الآلاف عبر التاريخ، قال بتدخل الحمام كام مرَّة قال!

مقال تخيُلى ساخر كتبه: أنور الوراقي..

التعليقات