محمد الشبه يكتب .. هيا نحرق كلود ليلوش !

فجأة أصبح المخرج الفرنسي كلود ليلوش (١٩٣٧-    ) بطل خناقة سياسية بين المثقفين والسنيمائيين في مصر!، وفجأة غطى الخلاف الصاخب حول تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي على قضايا ثقافية وسياسية عديدة اكثر اهمية في مصر لم نسمع فيها للاسف صوت المثقفين ، ولكن ربما كانت الفائدة الوحيدة لـ “فتنة ليلوش” أنها جعلتنا نسمع أصواتاً لمثقفين كبار “كانوا وحشونا فعلاً”، وكانت فرصة أيضاً لأن “يزيط في الزيطة” ناس عمرهم ماسمعوا اسم كلود ليلوش ولا شافوا أياً من أفلامه!، وكنت أتصور أن الأصوات الخافتة التي اعترضت في البداية على اعلان المهرجان عزمه على تكريم ليلوش سوف تختفي سريعاً إلا أن بالون الاعتراض سرعان ما أخذ يكبر بتزايد أعداد النافخين وبإنضمام أسماء مهمة لهم.. مخرجين ونقاد وصحفيين، واكتشفنا فجأة على الفيسبوك أن مصر كلها كانت تتابع السينما الفرنسية من أيام لويس التاسع وأنها كانت في الوقت نفسه غاضبة جداً من كلود ليلوش لأنه زار اسرائيل سنة ٢٠٠٥ وتم تكريمه في جامعة بن جوريون! إذن هل نوافق على تكريمه في مصر؟!.. بالطبع لا.، طيب وماذا سيفعل الآن الذين وجهوا له الدعوة واعلنوا تكريمه؟ ماذا سيكون موقفهم أمام الحكومة الفرنسية التي طالما دعمت ومولت مشروعات ثقافية في مصر ، في الاثار والمتاحف والتميم وشارع المعز والسينما ويوسف شاهين الذي كرمته في أكبر محفل  سينمائي دولي تنظمه وهو مهرجان كان؟!

مأزق.. صحيح؟
- ولكن .. مش مهم المهم المبدأ!! إزاي نكرم واحد كرمته إسرائيل، هو أكيد صهيوني ومعاد للقضية الفلسطينية
- طيب.. ماهو يوسف شاهين كان معاد لاسرائيل وكرمته فرنسا؟
- دي حاجة ودي حاجة تانية.. إحنا بنكره إسرائيل وعندنا قرارات تاريخية برفض التطبيع معاها ومع أصدقائها.
- يعني هل احنا بنقاطع كل من يدعم اسرائيل أو يزورها؟
- طبعاً
- وليه السادات دعا اليهودية اليزابيث تايلور لمصر في السبعينات وقابلها بعد ماكنا مقاطعين فيلمها الشهير “كليوباترا” وانت عارف انها كانت بتجمع تبرعات لاسرائيل أثناء حرب ٦٧؟!
- عشان دي سياسة دولة .. احنا مثقفين ومقاطعين.. و….
وهنا تذكرت المطرب “الكبير” شعبان عبدالرحيم ورائعته الخالدة “ أنا بحب عمرو موسى وباكره اسرائيل” نعم.. نحن نغني ونهتف ونكتب ونكره إسرائيل، ولكن ماذا فعلنا لتحويل الكراهية الى فعل لصالح القضية؟!.. سؤال مؤلم والاجابة عليه ليس هدفها جلد الذات أو لوم أحد بعينه، ولكن أعني أن الموضوع كبير.. والقصة تتجاوز الخناقة على مخرج زار اسرائيل، فكلهم يزوروها ويزورونا منذ نصف قرن ولم نحرك ساكناً، كل ما نجنيه من مواقفنا الزاعقة أننا نبدو أمام العالم شعب انفعالي بتاع كلام!. والنتيجة اننا نخسر كل معركة يكون فيها الحق معنا. هل تتذكرون معركة فاروق حسني لرئاسة اليونسكو؟.. خسر الوزير المصري لأنه قبلها كان اطلق " تصرح عنتري جامد" لما سألوه: مكتبات وزراء الثقافة فيها كتب يهودية؟.. قال: لو موجودة هانحرقها!.
والمشكلة ليست في المواقف القوية والشعارات المبدئية، المشكلة في رأيي تكمن في قدرتنا على إقناع العالم بقضايانا..، المشكلة اننا بنكلم أنفسنا، وبنعادي أنفسنا، ونخون ونشوه أنفسنا.. نحن ندور حول فقط، بينما العالم يتفرج علينا!. هيه فرنسا والسينما العالمية كلها هتتأثر بإيه لما يرفض مهرجان في دولة أفريقية عدم تكريم مخرج فرنسي كبير (لأنه زار واتكرم في اسرائيل سنة ٢٠٠٥)؟!.. ثم أين كان المثقفين المصريين سنة ٢٠٠٥.. عملوا ايه ساعتها، هل قاطعوا الأفلام الفرنسية،.. هل أدانوا كلود ليلوش وفضحوه؟
- أيوة.. بس المبدأ مبدأ.. والمواقف لا تتجزأ، وفرصة وجت لعندنا.. ناخد حقنا!
- بس احنا بنقول ان المهرجان “دولي”، وممكن كده يتهمونا بتسييس المهرجان، وإن اللي يحبنا مايضربش نار في فرحنا.. وكده.
- أيوه و دي رسالة مهمة للصهاينة والاحتلال.. ونبقى ضربناهم على قفاهم وحرقنا دمهم بعد فيلم الموساد “الملاك” اللي شوهوا فيه تاريخ أشرف مروان والزعيم عبدالناصر.
- كده نبقى ضربناهم على قفاهم ؟!، ولا كان أحسن نرد عليهم بفيلم عن “بطولة” أشرف مروان، - اذا كان بطل فعلا - أو بفيلم عالمي باللغة الانجليزية عن حرب أكتوبر أو بطولات حرب الاستنزاف اللي جننتهم؟
- المهم ان التاريخ سجل انتصارنا وبطولاتنا.
لأ.. التاريخ اللي بتكتبه اسرائيل في الكتب والأفلام بيقول للعالم غير كده، وطلبة العلوم السياسية والتاريخ في جامعات العالم بيدرسوا الرواية الاسرائيلية عن الحرب
- قصدك ايه؟
- قصدي إحنا عايشين هنا مع نفسنا، وبنكلم نفسنا، لا بنعمل أفلام ولا بنصدر ثقافة ولا كتب نرد بيها على اسرائيل، .. احنا محليين قوي يا عزيزي وبنكتفي بس بمعاركنا الصغيرة على الفيسبوك.. نكرم كلود ليلوش “الصهيوني” بتاع فيلم “رجل وامرأة” اللي ادوله الاوسكار، ولا نرفض تكريمه في مهرجاننا عشان يفضل المهرجان طاهر ؟!
- نرفض طبعا
- برافو .. انتصرنا !!

التعليقات