تغيير الخطاب "الثقافي" وليس "الديني" !

 رغم الحديث المتكرر و المعلن من عدة مصادر عن ما يسمي "تجديد الخطاب الديني" و رغم اهتمام رئيس الدولة بهذه القضية من خلال تكراره في العديد من زياراته و تصريحاته لأهمية تجديد الخطاب الديني و تنقية المناهج والكتب مما يمكن أن يفهم كتحريض علي العنف، ورغم إهتمام الكثير من الكتاب و المفكرين و الإعلاميين، فإن الخطاب الديني كما هو حافل بدعاوى وأفكار خطيرة، ومازالت العقول الحجرية المتخمة بالعداوات وكراهية الآخر كما هي! والسؤال المهم هنا هو: كيف ننتظر من رجال الدين أن يغيروا الخطاب الديني؟ و لماذا يغيرونه؟ فالخطاب الديني هو الخطاب الديني منذ قرون طويلة و رجل الدين هو رجل الدين منذ الأزل واذا تغير فيه أي شيء فإنه يكون تغييراً في القشرة الخارجية فقط، و هذا لايحدث فقط في الدين الإسلامي لكن في كل الأديان، ولهذا السبب نقول دائما بأن الأديان ثابتة والسياسة متغيرة، ولا يمكن خلطهما معاً !
وأرى أن الكلام عن تغيير الخطاب الديني لا طائل من وراءه ولا معنى له، لأن الأكثر أهمية على الإطلاق هو تحريم وتجريم خلط الدين بالسياسة من الأساس.
و من هذا المنطلق يجب علي المجتمع و علي الحكومة - إذا كانت جادة  - أن تبدأ بتغيير الخطاب الثقافي وليس " الخطاب الديني" ، دعم الثقافة وفتح نوافذها على العالم هو نقطة البداية ، لأن أزهي عصور مصر المستنيرة كانت عندما كانت لديها ثقافة قوية و متحررة و مبدعة. و أدني مستوي وصلت له الثقافة المصرية هو مانعيشه هذه الأيام التي تراجعت فيها الثقافة وغاب المثقفون عن المشهد العام.

نعم نحن نعيش ثقافة الردح  و الواوا و ثقافة اللمبي و أفلام السبكي والانحطاط الفني والسلوكي والصوت العالي و عدم إحترام الآخر، وثقافة الفهلوة وعنف العشوائيات والمخدرات، والمساطيل واللصوص وكل الخارجين عن القانون هم أبطال الفن وقدوة الشباب !
إن عودة الإهتمام بالثقافة واعتبارها مشروع مصر القومي إلى جانب إعادة الاصلاح الشامل للتعليم ، هو بداية أي خطة للتغيير الاجتماعي والنهضة في كل المجالات.
اتركوا رجال الدين و مؤسساتهم يعيشون في كهوفهم الحجرية، وشجعوا المبدعين و المثقفين للعودة الي الإبداع و نشر الثقافة، وعلي الدولة أن تفتح المجال أمامهم والا تعرقل جهودهم بل تتولى معاقبة أي جهة أو مسئول يتسبب في تعطيل مبدع أوعرقلة انتاجه الفكري. ويجب تشجيع الكتاب و المفكرين  و نجوم الفن عموماً علي إعادة تأهيل الانسان المصري وإشاعة حب الفنون الرفيعة وهم مطالبون أن يقدموا أعمالا تليق بحضارة مصر وبدورها التاريخي في هذا المجال، أعمال تبني الانسان وترتفع بمستواه وتخاطب عقله ووجدانه.
ونواب الشعب بدورهم مطالبين بدعم الحركة الثقافية في مصر بتشريعات تحمي و تشجع المثقفين و المبدعين و ليس بتشريعات "تأخذهم الى طرة" !! إن نواب الشعب يتحملون مسئولية إعادة الروح للشخصية المصرية التي دمرتها حكومات الجهل والتخلف، والسبيل الوحيد هو الثقافة والفنون.. بدون الفكر تموت الدول و تندثر!
وعندما تعود الثقافة، سيعود الحلم مرة أخرى بعودة مصر " التي كانت" ، وعندما ترتقي الثقافة سيتغير الخطاب الديني حتماً،  سيتغير عندما يتذوق المشايخ ورجال الدين الموسيقى والفنون، الشيخ سيد درويش فنان الشعب قدم للفن المصري أعظم الأعمال الخالدة، وعندما يعزف المشايخ والقساوسة على العود والبيانو ستعود قيمنا و سلوكياتنا الى ما كانت عليها في القرن الماضي .. ونعود مرة أخرى شعباً حياً مثقفاً يمارس دوره العظيم بين الأمم الحية.
وإذا كان قدماء المصريين استطاعوا أن يهدوا الى البشرية كل هذا الكم من العلوم والآثار و الفنون، .. فإن المصريين يستطيعون .. لو توفرت لهم الارادة والقيادة وإذا بدأوا التغيير من الثقافة .. وليس من الدين!.
 

التعليقات