كل شئ في مصر "سري جدا " !

 

في غياب المعلومات ، وفي ظل إصرار الحكومة .. وزارات وهيئات وأجهزة أمنية وغير أمنية على عدم إتاحة المعلومات الصحيحة للشعب والصحافة ، لا يجد الناس أمامهم غير شبكات التواصل الإجتماعي وشبكات التليفزيون محلية ودولية للإعتماد عليها كمصدر وحيد للمعلومات !.
ومصر ربما هي أغرب دولة في العالم في علاقتها بـ" المعلومات  " !،.. والحكومات التي تعاقبت عليها منذ 1952 وحتى الآن تكره المعلومات والأرقام والحقائق ،.. تكرهها ولا تحب أن تطلع عليها أحدا وتعتبرها من الأسرار العليا للدولة ، وكل شئ "سري " حتى أعداد الباحثين والأبحاث والمصريون في الخارج والصادرات والواردات والمصانع وأعداد المسلمين والمسيحيين وأصحاب العقائد المختلفة وذوي الاحتياجات الخاصة وأرقام التلوث وأعداد مرضى الإيدز والفشل الكلوي وسكان العشوائيات ومصانع بير السلم وأعداد المسجونين السياسيين وغير السياسيين وحجم أموال الدولة المهدرة والمهربة ، وميزانيات الأجهزة السيادية والبرلمان وأموال المعاشات والتأمينات التي استولت عليها الدولة واستثمرتها بدون علم ملايين المصريين !.
نعم .. كل شئ في مصر "سري جدا " من سعر الدولار إلى أسماء وأعداد القتلة والقتلى والمصابين والمختفين من 25 يناير حتى الآن ، ومن أعداد الإرهابيين في سيناء وفي السجون الى معلومات وشائعات "المصالحة " مع الإخوان وأسباب خروج الإرهابين من السجون ،الظواهري وصفوت عبد الغني ورضا عبد السلام وغيرهم ، وحقيقة "الصفقة " التي يقال أنها تجري "في السر" لخروج الكتاتني وآخرين ..!
ودائما تنتظر الدولة اشتعال أزمة ينشغل بها الرأي العام حتي ينسي المعلومات والحقيقة حول الأزمة السابقة ، ونحن دائما نعيش حالة " بص العصفورة  ؟!" ، الحكومة تتعامل معنا باعتبارنا " شعب في الحضانة " ، تعتبر أننا غير مؤهلين لمعرفة الحقيقة ، وترى أنها لو أعطتنا " المعلومة السليمة " سوف نستخدمها ضدها !،  والحقيقة أنها تتفعل ذلك وكأن على رأسها "بطحة " ، أو لأنها لديها دائما ما تخاف أن تعلنه في العلن ، والنتيجة : أن الدولة تدخل في النهاية النفق المظلم "وتلبس في الحيط " و"يلبس معها الشعب كله ! .
ودولة " الجهات العليا " والجهة " الأمنية " والجهة " السيادية " والمعلومات "السرية جدا " هي دائما كانت طوال تاريخ مصر هي الدولة الفاشلة المحكومة بثقافة الغموض والهمس والشائعات ، الدولة المرعوبة دائما من "مؤامرة ما " والخائفة بإستمرار من أعداء في الخارج ومن شعبها في الداخل ، دولة لا تثق في أحد تخشى ذوي العلم والكفاءة والخبرة ، وتعتمد على أهل الثقة والأقارب المقربين والدوائر الضيقة المغلقة من الكهنة والسدنة" وكاتمي الأسرار " ، وعرفنا من هذه النوعية في التاريخ القريب خبراء كبار في "حفظ الأسرار ".. صفوت الشريف وزكريا عزمي وكمال الشاذلي وغيرهم ممن عاشوا وكبروا وتضخموا وتوحشوا في مناصبهم عشرات السنين بسبب أدوارهم "السرية " ، وكانت النتيجة أنهم تركوا لنا دولة فاشلة وضعيفة خائفة ومرعوبة لم تصمد 18 يوما عندما خرج الشعب إلى الشوارع  في 25 يناير !.
وبالطبع فإن الأجهزة " العليا" عندما تسيطر على المعلومة وتملك مفاتيح الحقيقة في يدها تمنحها لمن تشاء وتمنعها وقتما تشاء بحظر النشر ومنع التدوال وتكميم الأفواه ، فإن النتائج الكارثية للمنع والتعمية والتضليل يدفع ثمنها الشعب كله !.
وكنت أنتظر أن تكون في قائمة أولويات البرلمان في دورته الحالية التعجيل بإصدار قانون جرية تدوال وإتاحة المعلومات الذي اعتبره أهم قانون يؤسس لـ " الدولة  الديمقراطية الحديثة " التي نحلم بها ، وكنت اتمني أن يتبنى السادة النواب هذا القانون بدلا من المطالبة بمنع وحظر وتقييد مواقع التواصل الإجتماعي التي تعتبر النافذة الوحيدة للمعلومات وأحيانا لـ" الشائعات "  التي تنتشر دائما في ظل مناخ المنع والحظر وإعتبار كل شئ في البلد " سري جدا " !.
وأختتم بأسئلة حول بعض الألغاز التي مازالت في كهوف الأجهزة ولا إجابة عليها حتى الآن :
1- من قتل المتظاهرين في ماسبيرو ؟
2- من قتل الجمهور في إستاد بور سعيد ؟
3- من حرق كنيسة القديسين ؟
4- أين تبرعات تحيا مصر وأين تصرف ومن يراقبها ؟
5- من قتل ريجيني ؟
6- لماذا يتم إخلاء سبيل القتلة والإرهابيين ولا يخلى سبيل الشباب المعتقل بدون إتهام ؟!
7- ما هو السر في عدم تحديث وتجديد الخطاب الديني ؟
8- ما هو السبب في ترك المبدعين فريسة للسجن بتهمة إزدراء الأديان ؟
عندما يعرف الناس الحقيقة في هذه "الأسرار" والإجابة على هذه الألغاز.. عندها سنبدأ أولى خطوات الإصلاح في طريق دولة المكاشفة والشفافية .. دولة المعلومات !! . 
التعليقات