الحل هو.. الحظر!

 

أتذكر جيدا عندما كانت كل أندية مصر الرياضية و الإجتماعية تقدم المشروبات الكحولية لأعضاءها و ضيوفهم ، في ذلك الزمان لم نكن نسمع عن  بلطجة او تحرش او جرائم ترتكب علناً في النوادي . و كانت الأندية مكان عائلي تجتمع فيها الاسر ، الشباب في الملاعب و الأهالي في صالات البريدج أو على "تراس" النادي، من يشرب عصير الليمون، ومن يشرب البيرة مع طبق الفول النابت أو السوداني .  و فجأة ذات يوم.. في نادي الجزيرة الرياضي بالتحديد صدمت سيارة احدى الشابات ،  وأدت الحادثة إلى وفاتها وبعد التحقيقات اتضح أن سائق السيارة كان سكراناً !. و في نفس اليوم قرر الرئيس أنور السادات منع البيرة والمشروبات الكحولية في جميع الأندية الرياضية بمصر، ومنذ ذلك اليوم  ،خلت الأندية من البيرة ولكنها امتلأت بالمخدرات و العقاقير والترامادول !.
 وكان هذا مثالاً  لحل المشكلة .. بالحظر!
ومنذ عدة شهور، خرجت مجموعة من السياح المكسيكيين عن خط سير رحلتها في صحراء مصر الشرقية، ولسبب أو آخر لم يعرف حتى الآن ، تمت مطاردتهم وكان مصيرهم القتل ومنذ ذلك ليوم تم منع دخول أي سيارة رباعية الدفع الى المناطق السياحية الصحراوية أو إلى سيناء.
وكان هذا مثالاً  آخر على مواجهة الأزمة ..بالحظر!
ومنذ أسبوع فقط دار جدل واسع حول فضيحة تسريب الامتحانات و الغش في اللجان و جرت مناقشات وصلت الي مجلس النواب ليقترح وزير التعليم حظر الفيس بوك ساعة قبل و بعد الامتحانات لمنع تسريبها!!
وكان هذا متالاً صارخاً آخر على مواجهة الأزمة..بالحظر!
وفي معظم الأزمات والمشاكل تستسهل الدولة بأجهزتها المختلفة اللجوء إلى الحظر والمنع كأسهل وأسرع الطرق لتأجيل حسم مواجهة الأزمات أو لصرف الأنظار عنها مؤقتاً!
وفي معظم القضايا المهمة يقرر النائب العام حظر النشر "منعاً للبلبلة" بينما في واقع الأمر تكون النتيجة.. فوضى النميمة والشائعات!
ولا أنوي أن أطيل في استعراض الأمثلة التي تشير في مجملها الي حلول فاشلة و تفكير عقيم ، و لكن تدفعني "حالة الحظر" السائدة للسؤال : لماذا نغضب و نثور على المرشح الأمريكي دونالد ترامب عندما ينادي بمنع المسلمين من دخول أمريكا؟ أليس هذا الحل (الحظر) هو..  هو "بغباءه" نفس الأسلوب المتبع في بلادنا؟! الم نمنع الجمهور من حضور المباريات؟ الم نمنع استيراد الموتوسيكلات بدعوى منع  البلطجة؟ الم نغلق أضرحة منعا لزيارة الشيعة يوم عاشوراء؟ ألم نقيد عمل المستوردين بدعوى ضرب تجار العملة؟ الم نمنع الطائرات الخاصة يوماً ما لمنع رجال الأعمال من الهرب؟
مرة أخري..  لماذا نندهش عندما يطالب دونالد ترامب بمنع دخول المسلمين إلى أمريكا؟ ،،هذا مواطن أمريكي يرى منذ كارثة أبراج المركز العالمي و حتي اليوم، أن كل حادث إرهابي في أمريكا أو أوروبا أو في الشرق الأوسط تقف  خلفه مجموعة ارهابية ترفع شعارات إسلامية!، هذا المواطن رشح نفسه للرئاسة في بلاده، ولا يجد أمامه حلاً لمشكلة بلاده مع الارهاب.. إلا الحظر!
دونالد ترامب يرى الاٍرهاب الذي يهدد وينشر الدمار في العالم،  من داعش و النصرة و بوكو حرام نيجيريا و  شباب مالي و حماس غزة  ،،و في المقابل لا يرى أي مجهود ملموس يبذل في مدارس المسلمين و مراكز التعليم الديني و في الدول التي تعلن أنها إسلامية ، لا يرى بادرة نحو تنمية فكر قبول الآخر واحترام حرية العقيدة و ممارستها و احترام التعددية و القانون، هذا رجل لا يفهم الفلسفة التي تبيح قتل إنسان لانه "مثلي جنسيا"،  أو لأنه لا يصوم أو لا يؤمن أساساً ،  هذا رجل تربى علي احترام الدستور و القانون أما الدين و ممارسة العقائد فهي تخص الانسان الفرد و لاتخص غيره.
نحن في الشرق الأوسط نعيش في مأزق، فمن جانب نحن نريد أن نصبح جزءاً من المجتمع الدولي المتحضر ولكن من جانب آخر لا نريد أن نستعمل نفس الآليات و نرفض أن نلعب اللعبة بنفس الشروط و القوانين و المواثيق المتفق عليها داخل الأسرة الدولية المتحضرة التي نصفها بدول العالم الأول  ، و نحن اذا لم ننتبه لهذا المأزق و إذا تمادينا في "الطبطبة" و مغازلة المؤسسات الدينية والأزهر الذي يدعي الوسطية بينما هو يمارس الوهابية بكل تطرفها وتخلفها، فسوف نجد أنفسنا في عزلة تامة من العالم الأول. سنرى منطقتنا أسيرة للإسلام المتطرف و سوف يحاصرنا ويعزلنا  جدار عال كالجدار الذي أقامته إسرائيل حول المناطق الفلسطينية لخنقها، سنبدأ في التقاتل فيما بيننا و سننحدر أكثر وسيفلت من يستطيع أن يفلت للعيش خارج الجدار العازل و سنتحول الي مجتمع يتعايش مع التخلف ويغرق في  الغوغائية ، و كل هذا لأننا نقاوم بضراوة العلمانية الحضارية الانسانية، نعتبرها عزوف عن الإيمان بينما الحقيقة أنها بعيدة تماماً عن كل دعاوى وادعاءات التشويه، .. إنها الحل الوحيد لفصل الدولة عن أعداء التفكير ودعاة التكفير ..
العلمانية هي الحل!
نعم .. هي الحل ( بدون لف ودوران ) ! 
التعليقات