من يحمي المصريين من القتل .. بسيجارة ؟!

منذ أن أجمعت الهيئات الصحية في العالم أن التدخين ضار جدا للصحة و يسبب أمراض السرطان و تصلب الشرايين ، و بدأ" العالم الأول"  في التعامل مع التدخين علي قدر خطورته لحماية صحة المواطنين ،لأن حكومات الدول " الناضجة " تعتبر ان المواطن هو أهم وأغلى وحدة انتاج ، وأنه من البديهي ان تهتم أولاً بأساليب الوقاية العديدة من هذا الكابوس لا أن تتركه ينهش صحة المواطن وتكتفي بطباعة صور قبيحة وتحذيرات مرعبة على علب السجائر،  أو برفع الضرائب عليها  كل ٦ شهور ، متوهمة انها ستمنع الناس من التدخين بينما هي في الحقيقة تثقل كاهل الفقراء ، تملأ خزائنها بأموال المدخنين الذين يتزايدون ولا تحقق أي انجاز يذكر في القضاء على الظاهرة !. 

ومنذ أكثر من ٣٠ عاما انطلقت الحملة العالمية ضد التدخين من خلال إجبار منتجي السجائر و الدخان بوضع عبارات تحذيرية للمستهلكين و فرض ضرائب مرتفعة  علي كل منتجات التبغ ، و لم تكتف الدول بهذا  الإجراء بل سرعان ما بدأت الولايات المتحدة منع التدخين في المطاعم و الكافيهات ثم في الأماكن العامة مثل المطارات و محطات السكة الحديد ثم في المكاتب الإدارية و البنوك. وتبعتها دول أوروبا و أستراليا وبعض العواصم العالمية مثل طوكيو وسنغافورة وكوالالمبور ودبي .

و منع التدخين في كل هذه الدول ليس " ديكور "  ولكن إجراء حازم تحميه قوة قانون لا يستهان به ولا ينتهك لأي سبب ، والمخالف يدفع غرامة باهظة وفي بعض الاحيان يدخل السجن . و إعتاد المواطنون في هذه الدول أن يجدوا في بلادهم  أماكن عامة خالية من التدخين ، حدائق وشوارع ومصالح حكومية ،  بل هناك عواصم بكاملها في العالم تفخر بأنها مدن محظور التدخين في أماكنها العامة .

و ظلت الدول المتقدمة ( التي تحترم مواطنيها) تتخلص تدريجيا من التدخين ولم تعد تعتبره من الحريات الشخصية المطلقة طالما انه يسبب الأذى والضرر للآخرين ، حيث اثبتت الابحاث الطبية ان التدخين السلبي يلحق بغير المدخنين نفس الاضرار الصحية الخطيرة التي تصيب المدخنين . ولم تقلل هذه الدول فحسب نسبة التدخين بين مواطنيها ووفرت لهم بيئة نظيفة ، بل وفرت في الوقت نفسه مبالغ طائلة تقدر بملايين الدولارات كانت تنفق على علاج أمراض الصدر والقلب ، وانحسرت بصورة ملموسة أعداد المصابين بالسرطان الذي يأتي من تدخين التبغ بأنواعه ، وبصورة موازية نظمت حكومات هذه الدول حملات للتوعية بطرق الاكل الصحي السليم ، والتوعية بأحدث طرق التخلص من ادمان تدخين السجائر والسيجار وأيضاً من الشيشة التي صدرها العرب ( بكل فخر ) بكميات هائلة لاوربا وأمريكا !!.

أما في مصر ، ورغم الفاتورة الصحية الرهيبة والسلسلة الطويلة من أمراض السرطان و القلب و الفشل الكلوي و غيرها ، فإن الدولة لا  تتحرك إطلاقا لتقليل التدخين و لا تهتم بهذه  الجريمة و كأن المواطن لا يستحق الوقاية و الحماية.

وفي محاولة يتيمة يائسة بائسة لمواكبة العصر ، حاولت الحكومة منع التدخين في المطارات المصرية منذ عشر سنوات ، و لكن القرار كغيره من قرارات وقوانين كثيرة لم يحترم ، وأول من اخترق تنفيذه هم العاملون وأمن المطار ، وقد تجد بجوارلافتة" ممنوع التدخين"  أمين شرطة أو ضابطاً بالبدلة الميري ممسكاً بسيجارة في يده أمام زوار البلد والسائحين وكأنه يقول " اهلا بكم في بلد لا يحترم القانون " ! .  أما في الأماكن العامة و المكاتب و البنوك فهي تتعامل مع قضية التدخين بمنتهى الحرية المطلقة رافعة شعار " اللي عايز يدخن يدخن " ! و لكن في كل الاحوال  لا يوجد قانون صارم يحمي المواطن غير المدخن في هذا البلد ،  و لا يوجد قانون يلزم  الدولة  بحماية مواطنيها !. .

و لا أفهم لماذا لا يقوم أي عضو من السادة الموقرين اعضاء مجلس النواب ، أو وزير الصحة او زميله وزير البيئة بتبني حملة شعبية وقانونية وحكومية  لحماية الانسان المصري  من مخاطر التدخين ؟! .. هل هو  الخوف و الجبن من المبادرة و اتخاذ القرار لأن كبار موظفي الوزارات و القيادات من المدخنين ؟! ، وهل فكر أحد منهم أن فاتورة حملات التوعية وتطبيق القانون أقل بكثير من المليارات التي تنفقها الدولة على علاج امراض التدخين القاتلة ومن الملايين التي تستنزفها من جيوب المواطنين كتبرعات لبناء مستشفيات القلب والصدر والسرطان ؟!

نحن في مصر لسنا في حاجة فقط لقانون صارم يمنع التدخين في الاماكن العامة ، ولكننا في أمس الحاجة لقانون يلزم القائمين على وضع القوانين بإصدار قوانين تحمي المواطن ، حتى لايحصد التدخين كل يوم أرواح المصريين بدون ان نعرف من هو المسئول عن هذه الجريمة لنحاسبه !!.

أما عن " ثقافة الشيشة في مصر المحروسة " فهذا حديث آخر!

التعليقات