لماذا أنا " متفاءل بحذر " ؟!

 

مع الإعلان عن التفاوض المحتمل بين الحكومة المصرية و صندوق النقد الدولي أجد نفسي في حالة تفاؤل حذر ، لأننا  كالعادة وفي غياب الشفافية تنقصنا المعلومة والأرقام. أتفاءل لأنه بدا واضحا أن صندوق النقد هو طوق النجاة الباقي أمامنا بعد استنفاذ "كرم الاشقاءالعرب "و بعد استهلاك كل الحلول .. ما يمكن الحصول عليه من قروض أو طرح أذون خزانة و خلافه..
والتفاؤل المطلق في ظل هذه الظروف هو رفاهية لااستطيع الاقدام عليها ، ولكن التفاؤل " الحذر "  أسبابه عديدةعديدة:
١) لا توجد  لدينا رؤية إقتصادية محددة أو أهداف واضحة. ماالذي نسعي اليه؟ هل رؤيتنا الاقتصادية وخطواتنا تنطلق من المنهج الليبرالي القائم علي الاقتصاد الحر و تشجيع الاستثمار ؟ أم نحن نلتزم بأفكار ورؤى المنهج الاشتراكي الذي يحتاج الي خزينة عامة ضخمة و ثرية و يحمل الدولة معظم الأعباء الخدمية و الإنتاجية ؟  أم أن منهجنا الاقتصادي الحالي هو اللا منهج؟!
٢) هل نسعي أن نكون دولة مصدرة للخدمات كالسياحة و الخدمات المصرفية و الصحية ، أم نريد ان نصبح دولة زراعية أو صناعية  قوية ؟ أم أننا نريد أن نكون مزيجاً من كل شيء؟
السؤال الأهم فوق هذه الاسئلة .. كيف نحقق أهدافنا وسط هذه الحالة الضبابية؟
٣) لا نملك  رؤية سياسية واضحة ومعلنه ، فالدستور رغم قوة مواده ،  لم يفعل بل يكاد يكون غير موجود في الأساس .  هل نسعي أن نكون دولة دستورية و دولة قانون ؟ أم  دولة الحاكم الأوحد؟ هل نريد أحزاباً سياسية لها برامج و رؤي ؟ أم نفضل أن نعيش في شبه تجربة حزبية وأشباه أحزاب في " شبه دولة تعددية" ؟!
٤) هل نسعي أن ننفتح علي العالم و نتبادل المصالح  مع الجميع ،أم نريد أن ننغلق علي أنفسنا، بإعتبار أننا لا نحتاج إلى أحد ؟
٥) هل نريد أن نتوحد كشعب و مؤسسات حول مواد الدستور كلها حتي" مواد التفرقة والتمييز" التي كنّا نتمني الا تكون موجودة ، أم نعتبر اننا مازلنا في مرحلة انتقال إلي دولة ديموقراطية مدنية  تسعى إلى الحداثة واختيار المواد التي تناسبها و ترك ما لا يناسبها  في المستقبل من نصوص الدستور ؟
٦) هل نريد حكومة متجانسة مع مجلس النواب في رؤاه و برامجه ، أم  حكومة تعمل في واد ، و المجلس في واد آخر؟
وهذا السؤال بالذات هام و ملح لأنه يحدد من هي الجهة المنوط بها الإجابة علي الأسئلة السابقة !.
٧) هل سنترك الاعلام يقوم بدور الأحزاب السياسية المشلولة أم من الأفضل أن يتابع ويراقب الاعلام " المستقل "  الأحزاب السياسية ويناقش أفكارها ومواقفها وبرامجها أمام الرأي العام  ؟
اننا قبل أن نفرح بقرض صندوق النقد أو أي قرض دولي آخر ، يجب أن نضع أولا خارطة طريقنا واهدافنا وفق منهجنا الاقتصادي الذي اخترناه لبلدنا ، ثم بعد ذلك  نضع الطرق و الوسائل التي ستوصلنا الي هذه الأهداف. و يجب علي حكومتنا و مجلس نوابنا الا يستهينا بالمسئولية والتبعات بعد قرض صندوق النقد أو بالبرنامج الواجب تنفيذه للوصول الي أهداف محددة.
ان قلقي حول إتمام اتفاق  القرض نابع ايضا من  انزعاجي لرد فعل الإعلام الذي يثير حفيظة الرأي العام ، ومواقف بعض البرلمانيين الذين لا يفوتون الفرصة لسب صندوق النقد و الهجوم على مطالب  الصندوق بضرورة وضع  برنامج إصلاحي للاقتصاد المصري ،  و تهديداتهم للصندوق برفض " شروطه" !، و أستغرب من المواقف المجانية لكل هؤلاء.. هل يظنون أن الصندوق هو الذي يحتاج الي مصر؟! الا يعلمون ببساطة أن المقرض يجب أن يحصل على ضمانات من المقترض؟ !
ان رفض برنامج الاصلاح المطلوب من صندوق النقد معناه الوحيد أن إعلامنا و مجلس نوابنا ، غير مقتنع بضرورة الاصلاح الاقتصادي أو بجدية الحاجة الي هذا الإصلاح و انهم جميعا يمارسون سياسة: "عيشني النهارده و موتني بكره” و لا يدركون أن "بكره" قد جاء بالفعل !، وأننا في موقف إقتصادي بالغ  السوء، وأن هذا الوضع لايحتاج فقط الى " قرض من صندوق النقد " ، ولكن الى ثورة اقتصادية والى زلزال شامل يطيح بكل المفاهيم والاساليب العقيمة والمعطلة للاقتصاد والمدمرة للاستثمار والمهدرة للأموال في ظل منظومة بيروقراطية من العصر الحجري !.
وفي النهاية ، أتمني لفريق المفاوضات مع صندوق النقد  التوفيق و أتمني أن تهدأ  الأصوات المعارضة للقرض و تتحول الي أصوات مشجعة للاستثمار و السياحة و الخدمات و مناصرة للاصلاح والتغيير والتقدم. 
التعليقات