عندما صفق العالم لـ "فاطمة"

 

في ليلة سبتمبرية ،  كنت على موعد مع حدث كبير هز وجداني وأثار شجوني وجدد حزني على ما يحدث للموهوبين من أبناء وبنات بلادي. 
ورغم أن الحدث شخصي ،  إلا أن أبعاده الانسانية ومغزاه الثقافي والوطني جعلاني أنظر إلى أحوال التعليم والثقافة في بلادنا بأسف عميق، وأتساءل عن حجم التغيير والنهضة الكبرى التي كان يمكن لها أن تحدث في بلادي لو سنحت الفرصة لكل موهبة أن تلمع ولكل عبقرية أن تشق طريقها إلى العالمية؟. 
مكان الحدث : مدينة ميلانو - ايطاليا 
والمناسبة: الحفل الافتتاحي لأوبرا الناي السحري بمسرح لاسكالا العريق الذي غنت عليه الخالدة ماريا كالاس ، ووقف عليه عظماء المغنيين العالميين ، لوتشيانو بافاروتي ،وبلاسيدو دومينجو،  وخوسيه كاريراس.
كنت مع زوجتي ضمن  نخبة من المصريين جاءوا خصيصاً لحضور الحفل كان من بينهم فنصل مصر في ميلانو والاعلامية منى الشاذلي.
وكانت نجمة الحفل وبطلة الأوبرا بنت مصر السوبرانو العالمية فاطمة سعيد هي التي جمعت رموز الفن والثقافة وعشاق الفن من بلادها ومن أنحاء العالم ليعيشوا معها ليلة ممتعة من الفن الراقي والأداء المذهل لأوبرا الموسيقار العالمي وولفجانج أماديوس موتسارت، ووسط هذه الأجواء الساحرة ومع صوت فاطمة سعيد الملائكي القوي الأخاذ إختلطت في كياني أحاسيس المتعة بمشاعر الفخر والسعادة، وشعرت في لحظة وكأن علم مصر يرتفع في سماء مسرح لاسكالا، وكأني أسمع نشيد بلادي بلادي يدوي في أرجاء المكان، وهتاف "براڤا" لفاطمة سعيد يتواصل مع التصفيق الحار وسط صيحات المشاهدين، وإلتفت إلى حيث يقف والد فاطمة، صديقي النائب الدكتور أحمد سعيد وإلى جواره السيدة زوجته والدة فاطمة لألمح في عيونهما نظرة فخر وسعادة ودموع فرح تكفي لتغسل تعب سنين طويلة  من السهر والتعليم والتربية والسفر والقلق على فاطمة التي شجعها أبوها ووقفت إلى جوارها أمها في رحلة التعليم الشاقة من القاهرة إلى ألمانيا لتصقل موهبتها وتحقق حلمها بالغناء أخيراً على أرقى مسارح العالم.
وعندما أحكي لكم حكاية الموهبة المصرية الفذة  فاطمة سعيد، فأنا لن أجتر حزني على لا مبالاة مؤسسات الثقافة في بلادنا أو أسفي لتجاهل  دار الأوبرا المصرية التي لا تعرف عن فاطمة شيئاً.
ولكني هنا ، أتحدث عن إمكانيات البنت المصرية والشاب المصري الذي إذا سنحت لهما الفرصة للعالمية فإنهما يقدران على تحقيق المعجزات وصناعة المستحيل ، فقط  بالعلم والثقافة والعزيمة،  وبدون واسطة! . 
في المناخ الصحي يمكن أن يولد في مصر كل يوم ، مجدي يعقوب وأحمد زويل وعمر الشريف وفاروق الباز، وعندما يفسد مناخ التعليم وتغيب الدولة، فلا يتبقى لنا غير الجهود الفردية وإصرار الأهالي وعذابهم  وتحملهم للنفقات الباهظة لرعاية موهبة أبناءهم حتى يحققوا أحلامهم ويحصدون أوسمة المجد والشرف لبلادهم التي للاسف لا تعرف عنهم شيئاً!. 
لقد غامر أحمد سعيد وعانى هو و أسرته ، وخاضا تجربة شاقة عندما قبلوا بسفر إبنتهم  لتدرس الموسيقى بألمانيا خمس سنوات كاملة، كم أب وأم في مصر يستطيعان أن يفعلا نفس الشئ مع ابنهما الموهوب ؟ وكم عبقرية في مصرتحتاج الى من يرعاها حتى تصل الى ماوصلت إليه شابة في العشرين من عمرها لتشدو بصوت مصر كل ليلة في ميلانو؟
لقد عشت مع 30 شخصية مصرية ومع العشرات من الايطاليين والاجانب  ليلة رائعة بين السحاب والنجوم مع فاطمة سعيد، ليلة كنت أتمنى أن يعيشها معي كل المصريين ليشعروا مثلي بالأمل والتفاؤل بأن في هذا البلد جيل جديد قادر على العطاء والنبوغ والتفوق رغم كل الصعاب,
تحية للرائعة فاطمة سعيد التي أسعدتنا .. وتحية لوالدها صديقي النائب أحمد سعيد الذي رعى هذه الموهبة الجميلة  وأهداها لمصر والعالم..
التعليقات