على خلفية حادث رشيد

حادث غرق مركب رشيد أمام قرية برج رشيد فى مياه البحر المتوسط، كشف عن عدة مفارقات وقعت خلال الحادث. ضحايا الحادث وهم بالعشرات، معظمهم مصريون (منهم سودانيون وصوماليون وإريتريون) هم ضحايا الفقر، ضحايا سياسات الدولة المصرية إيجابًا وسلبًا. إيجابًا لأنها لم تستطع أن توفر فرص عمل خاصة للشباب، رغم التغنى يوما بعد يوم بتمكين الشباب، فى حين يقبع بعضهم فى السجون لمناهضتهم سياسات النظام السابق والأسبق، والتظاهر ضد سعودة تيران وصنافير وغيرها، كما أن هؤلاء الغرقى من المصريين هم ضحايا سياسات سلبية للدولة، بسبب عدم اتخاذ إجراءات لمواجهة سماسرة البشر، الذين مردوا على إغواء الشباب بتسفيرهم إلى الوهم الأوروبى.

قبل حادث الغرق بساعات شاهدنا استقبال الرئيس السيسى فى نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. بالطبع الاستقبال كان مخططًا له من قبل مئات المصريين. والسؤال كم تكلفت هذه الزيارة على الدولة المصرية، وكم تكلف سفر الوفد الكبير المرافق للرئيس، وكم تكلف الحشد الهائل من المصريين على أرصفة المبنى المجاور للجمعية العامة، حتى لو تكفلت به جهات غير رسمية. ملايين الدولارات أنفقت فى تلك الزيارة لمجرد إظهار القوة أمام إرهاب الإخوان المنتظرين لهذا اللقاء للاستهزاء بالرئيس المصرى ومرافقيه، خاصة من الإعلاميين. ماذا لو أنفقت كل هذه الأموال لإنقاذ شباب مصر الغرقى (وأمثالهم) فى خضم مياه المتوسط المتلاطمة.

المؤكد أن مؤسسات فى الدولة المصرية لم تعر الاهتمام الكافى بحادث الغرق، البعض اعتبر أنهم هم المخطئون، والبعض الآخر اعتبر أن هؤلاء هم ضحايا إهمال سماسرة الموت، لم يتطرق أحد للأسباب الحقيقية التى دفعت هؤلاء لليأس.

قبل وفاته بعدة أشهر فى إبريل 1997 كتب مصطفى أمين فى عموده الشهير فى الأخبار «فكرة» يمكن تخيل أخبار نشرة التاسعة بالقناة الأولى اليوم مرتبة كالتالى، قام الرئيس حسنى مبارك بافتتاح...، وقام سيادته أيضًا باستقبال....، وقام رئيس الوزراء بافتتاح.... أما آخر خبر بالنشرة فهو قيام الحرب العالمية الثالثة اليوم.

نفس الأمر عاد من جديد، فمنذ يومين والعالم كله مشدوه بحادث غرق مركب رشيد أمام قرية برج رشيد بالبحر المتوسط، إذ بالتليفزيون المصرى يخرج علينا فى نشرة التاسعة يوم الجمعة الماضى بأن الرئيس السيسى أدلى بحديث مع شبكة بى بى إس الأمريكية، بعد التفاصيل انتقلت نشرة التليفزيون المصرى صاحب فضيحة حديث السيسى الزائف إلى حادث غرق أكثر من 160 مصريا أمام ساحل رشيد. عقب 25 يناير 2011 كان التليفزيون يذيع أخبار المشير طنطاوى والرئيسين مرسى ومنصور وفقا لأهميتها، لا وفقًا لمنصب أصحابها، تراجعنا مرة جديدة لما كان يحدث إبان عهد مبارك.

الأمر الآخر وليس الأخير متعلق بإدارة الأزمة، وهنا ربما سارعت مؤسسات الدولة لمعالجة الأمر بحرفية، سواء فى أعمال الإنقاذ من الجهات الأمنية، أو المؤسسة الصحية. لكن ما هو مؤكد أن الإهمال وقع قبل الحادث بترك سماسرة الموت دون حساب ومتابعة. المطلوب معالجة تشريعية، حتى لا تفضى الأمور لسجن هؤلاء 7 سنوات كما حدث فى العبارة السلام التى راح ضحيتها نحو 1000 قتيل فى فبراير 2006!

نقلا عن المصري اليوم.

 

التعليقات