ورقة من ملف التشريعات الصحفية

ثار التصريح الذى نشرته «الأهرام» للمستشار مجدى العجاتى، وزير الشؤون القانونية - فى 26 نوفمبر الحالى - ونسبت إليه قوله بأن مجلس الدولة قد أوصى بتقسيم مشروع قانون الإعلام الموحد إلى ثلاثة قوانين، لم يسمها أو يحدد محتوياتها، أو إيقاع عرضها على مجلس النواب - شكوكاً مشروعة لدى كل الذين يعنيهم أمر الحريات العامة، فى أن يكون الجناح المعادى لحرية الصحافة فى السلطتين التنفيذية والتشريعية، وفى المجتمع، فضلاً عن فلول المطبلين لكل سلطة داخل الجماعة الصحفية والإعلامية ممن يشكلون - فى كل زمان - تحالفاً يضم رابطة صناع الطغاة ورابطة عبده مشتاق - لايزال يسعى لإهدار كل الحقوق التى كفلها دستور 2014 لحرية الصحافة والإعلام.. وأن الهدف من هذا التقسيم هو وضع المواد الخاصة بضمانات حرية الصحافة والإعلام فى الثلاجة، اكتفاء بتقنين مواد الضبط والإحضار!.

أما أدهشنى أن المتحمسين لتقسيم القانون الموحد، قد تناسوا عامدين، أنه أحد مشروعى قانونين، أعدت اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية مسودتهما الأولى، تطبيقاً لمواد الدستور الخاصة بالصحافة، وكان وراء هذا التقسيم ضرورة موضوعية، فالقانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام، هو قانون إدارى يتعلق بالشروط الواجب توافرها فى تملك وإنشاء المؤسسات الصحفية والإعلامية، وطريقة إدارتها وضمانات استقلالها وحيدتها وحريتها، أما القانون الثانى فهو «قانون إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم الصحافة والعلانية»، وهى العقوبات التى تنص الفقرة الثانية من المادة 71 من الدستور على إلغائها، باستثناء ثلاث جرائم هى التحريض على العنف وعلى التمييز والطعن فى أعراض الأفراد، التى ترك تحديد عقوبتها للقانون.

وكان مشروع قانون إلغاء هذه العقوبات الذى وضعت مسودته اللجنة الوطنية، يقضى بإلغاء التأثيم فى عشر مواد تتعلق بالصحافة والإعلام فى قانون العقوبات، ويخير القاضى بين الحبس - الذى يتراوح بين 24 ساعة و3 سنوات - والغرامة التى لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، فى حالات التحريض على العنف والتمييز بين المواطنين والطعن فى الأعراض إلا أن المستشار ماجد صبحى، ممثل وزارة العدل فى اللجنة المشتركة، بين ممثلى الحكومة وممثلى اللجنة الوطنية للتشريعات، فاجأ أعضاء اللجنة، فى جلسة المفاوضات الأخيرة بين الطرفين، التى عقدت فى 24 إبريل من هذا العام بمذكرة تعترض فيها الوزارة - من حيث المبدأ - على مشروع القانون، يقول نصها بعد الديباجة:

«1- وزارة العدل ليس لديها، من حيث المبدأ، أى مانع من دراسة وبحث الكيفية التشريعية التى يمكن بها تطبيق ما أورده المشرع الدستورى من أحكام تتعلق بالعقوبات السالبة للحرية فى المادة 71 من الدستور.

2- الطابع الأساسى الملحوظ لقانون العقوبات هو انتظام نصوصه ومواده واندماجها فى وحدة متجانسة. ويرجع ذلك إلى أن سواء من قاموا بصياغته لأول مرة، أو من تولوا مهمة إدخال التعديلات عليه على مر العصور، كانوا دائماً كبار المتخصصين من رجال القضاء والفقه فى مجال التشريعات العقابية، وقد راعوا دائماً فى عملهم ألا تتنافر النصوص العقابية فيما بينها تنافراً يستعصى على التطبيق، ما يؤدى إلى قطع الصلة بين النص ومرماه.

3- من المقرر أن النصوص العقابية أو الجزائية هى نصوص بطبيعتها ضيقة لضمان توفير أعلى درجات اليقين فى فهمها وتطبيقها، كونها تتعلق بالحقوق والحريات الأساسية للأفراد، كما ترتبط ارتباطاً وثقياً بحق المجتمع فى حماية سلامته وأمنه من أى تهديد. ولذلك فيتعين عند صياغة مثل هذا النوع من النصوص الارتفاع لأعلى مستويات الدقة والإحكام حتى لا تتباين وتتشعب الآراء حول مقصدها.

4- المشرع الدستورى لم ينزع، فى المادة 71 من الدستور، صفة التجريم عن أى أفعال من المنصوص عليها فى قانون العقوبات أو أى قوانين جزائية أخرى، بينما المشروع الذى قدم لنا ألغى التجريم من جميع الأفعال المؤثمة بمواد قانون العقوبات سالفة الذكر، فجعلها أفعالاً مباحة من غير سند لهذا من مواد الدستور.

5- بعض المواد التى يريد المشروع المقدم إلغاءها هى جنايات تتعلق بالترويج والتحبيذ إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية بالقوة أو الإرهاب، كالمادة 174 من قانون العقوبات.

6- إن كان الامتثال لإرادة المشرع الدستورى فى المادة 71 من الدستور يتطلب إعادة النظر فى بعض النصوص الواردة تحت الباب الرابع عشر من الكتاب الثانى من قانون العقوبات، فإن ذلك ينبغى أن يخضع لدراسة المتخصصين فى مجال التشريعات العقابية، كون هذه المواد يحال عليها فى نصوص أخرى عديدة فى ذات القانون، وقوانين جزائية خاصة، ما قد ينجم عنه، من غير قصد، إحداث فراغ تشريعى غير محمود العواقب.

7- إن كان الامتثال لإرادة المشرع الدستورى فى المادة 71 من الدستور يتطلب إعادة النظر فى العقوبات السالبة للحرية التى وردت فى بعض مواد قانون العقوبات، وغيره من القوانين الجزائية الخاصة، فإن ذلك يتطلب دراسة الأمر بدقة للإحاطة به من جميع جوانبه، بغية ألا تأتى التعديلات متنافية مع إرادة المشرع الدستورى الواضحة فى عدم نزع التجريم عن أى من الأفعال الموجودة فى هذه القوانين، الأمر الذى سيتطلب، بالضرورة، إعادة النظر فى النصوص التى تحوى عقوبة الغرامة أو الحبس، لبيان مدى إمكانية رفع مقدار العقوبة الثانية، مع الأخذ فى الاعتبار مدى خطورة الجريمة، وبعد أو قرب الزمن الذى تم فيه فرض الغرامة، ووضع النص المراد تعديله بالنسبة لباقى النصوص التى تجرم أفعالاً مشابهة. كما سيتطلب الأمر، من ناحية أخرى، حصر النصوص التى تعاقب، فى هذا المجال، بالسجن أو بالحبس كعقوبة وجوبية، للنظر فى استبدال الغرامة المناسبة بهاتين العقوبتين.

ومتى كان ذلك، وكان المشروع المقدم يحتاج إلى إعادة نظر، للسالف ذكره من أسباب، فإن وزارة العدل تبدى كامل استعدادها للبدء فى بحث هذا الموضوع بمعرفة لجنة تشكل لهذا الغرض، وتضم فى عضويتها كبار المتخصصين فى مجال التشريعات العقابية، وصولاً إلى صياغة التعديلات التى تطلبتها إرادة المشرع الدستورى فى هذا الخصوص، على النحو الذى يحول دون حدوث أى فراغ تشريعى، أو تضارب بين النصوص فى أخطر القوانين المتعلقة بحقوق وحريات الأفراد، وأكثرها صلة بضمان أمنهم وسلامتهم، ألا وهو قانون العقوبات».

أما وقد مرت سبعة شهور، من دون أن تنفذ وزارة العدل الوعد الذى قطعته على نفسها، بأن تشكل لجنة من كبار المتخصصين فى التشريعات العقابية، لكى تصوغ مشروع قانون بإلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر والعلانية، تنفيذاً لإرادة المشرع الدستورى، على الرغم من تتالى صدور الأحكام القضائية بحبس متهمين فى جرائم النشر، فأخشى ما أخشاه أن ينتهى الأمر بصدور أحكام بحبس هذا المشرع الدستورى ذات نفسه، بتهمة نشر شائعات كاذبة تتمثل فى الادعاء بأن فى مصر دستوراً!.

ويا أسيادنا الذين فى كوكب الفقه الدستورى وكوكب القوانين العقابية.. الحقونا!.

** نقلا عن المصري اليوم

التعليقات