مشيرة خطاب أمينًا عامًا لليونسكو

هذا هو المانشيت الذى ترجو مصرُ، الوطنُ والشعبُ والحاكمُ، أن نقرأه على صدر صحف العالم فى الأيام المقبلة، بإذن الله. السفيرة المصرية مشيرة خطّاب ، الأمين العام الجديد لمنظمة اليونسكو، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة. لن ترضى مصرُ بأقلّ من هذا لتؤكد للعالم أنها لا تزال واقفة على طريق التحضّر والتنوير كما يليق باسمها الشريف العريق بين دول العالم. مشيرة خطّاب أحد أرفع الرموز فى الحقل الدبلوماسى والثقافى والحقوقى فى مصر وفى العالم. تاريخ طويل جادّ من العمل الواعى فى مناصب دبلوماسية عديدة، كرّست فيها جهودها وخبرتها ووطنيتها لتوثيق علاقة مصر بالدول التى شغلت فيها منصب «سفيرة مصر»، مثل تشيكوسلوفاكيا على مدى خمس سنوات، وجنوب أفريقيا كأول سفيرة مصرية أمضت فيها سنواتٍ أربعًا ازدهرت خلالها العلاقة بين مصر ومعظم دول الجنوب الأفريقى من خلال تحقيق مصالح متبادلة ناجحة ومثمرة بين تلك الدول وبين مصر. وكانت نموذجًا مضيئًا حين حملت حقيبة وزارة الدولة والأسرة والسكّان فى حكومات مصرية متعاقبة. وبسبب جهودها الفائقة على مدى عشر سنوات فى مجال حقوق الطفل ورعاية الأمومة، حين تولّت الأمانة العامة للمجلس القومى للأمومة والطفولة، اختيرت واحدة من أعظم رموز حقوق الإنسان فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام ٢٠١٣. لهذا استضافها عديد من كبريات دول العالم كخبير استشارى، وكذلك للعمل أستاذًا زائرًا لوضع وتدريس مناهج حقوق الإنسان وقضايا النوع وحقوق الطفل والعلاقات الدولية فى أكبر الجامعات الأوروبية والأمريكية والكندية.

والشاهد أن سرد تفاصيل التاريخ الدبلوماسى الثرى والمناصب القيادية الرفيعة التى شغلتها الدكتورة مشيرة خطّاب وأبلت فيها بلاءً مشرّفًا، يُعدّ أمرًا عصيًّا فى مقال كهذا، لكن ترشيح مصر لها كوجه مصرى مشرق ليحتلَّ هذا المنصب القيادى فى منظمة اليونسكو ، يُعدُّ تطبيقًا طيّبًا لدستور مصر الجديد، وكذلك يُكرّس للتوجّه العالمى الجديد بشكل عام من حيث تمكين النساء، صاحبات التاريخ المحترم، من الدفع بقاطرة النهوض بالعالم من كبوته وغرس بذور السلام والتحضّر فى كوكب مثقل بالجهل والحروب والاقتتال والطائفية والعنصرية وإهدار حقوق الإنسان والاتّجار بالبشر والاستهانة بحقوق النساء والأطفال والمعوّقين.

فوز الدكتورة مشيرة خطاب بذلك المنصب الرفيع لن يكون تكريسًا لمكانة مصر بين دول العالم وحسب، ولا تكريمًا لمكانة المرأة المثقفة عالميًّا وحسب، بل سيكون محاولة عملية وجادة لإعادة رسم الصورة العربية التى تمّ تشويهها أمام العالم وتنقيتها مما لحق بها من شوائب، لأنها ستكون أول وجه عربى، وثانى وجه نسائى على مستوى العالم، يشغل هذا المنصب منذ نشأة اليونسكو عام ١٩٤٥. لهذا فإن تفتيت أصوات الدول العربية السبع، التى لها حقّ التصويت، بين أكثر من مرشح عربى، لن يكون فى صالح القومية العربية ولا الشعوب العربية الغارقة فى العنصريات والتجهيل والطائفيات، وهو ما تحاول قطر أن تفعله، للأسف، بتقديم مرشح لها ينافس مرشحتنا المصرية، والنتيجة التى لا يسمح الله بها، ربما ستكون ضياع الفرصة من السلّة العربية وغياب التمثيل العربى تمامًا هذه الدورة أيضًا.

تستحق مصرُ هذا المنصب التى نتطلّع إليه، لأنها من الدول المؤسسة لمنظمة اليونسكو فى يناير ١٩٤٥، وكانت من بين أول عشرين دولة صدّقت على ميثاقها خلال التوقيع على لائحتها الأساسية. كما أن لمصر، بميراثها الفرعونى الاستثنائى وتدشينها أولى حضارات الأرض، وتفرّدها التعددى بالجمع بين المعمار اليهودى فى معابده، والمسيحى فى كنائسه، والإسلامى فى مساجده، وبما تمتلكه من رموز فكرية وفلسفية وأدبية وفنية هائلة، تستحق أن تكون لها يدٌ أمينة وفاعلة فى تلك المنظمة التى من أولويات اهتماماتها الحفاظُ على الآثار والتراث والإرث الحضارى لدى الشعوب، وتعزيز القوى الناعمة والنهوض بالثقافة والتعليم بين دول العالم، ومحاربة الطائفية والعنصرية وحل مشاكل النوع.

مصر العظيمة، بحضارتها وتاريخها وتطلّعها نحو غدٍ أجمل، لديها ما يؤهلها لكتابة صيغة أرقى لمستقبل هذا العالم المرزوء بالمحن والانكسارات، وقد اختارت مصرُ أن تُكتب تلك الصياغة بقلم وعقل وفكر تلك النبتة الطيبة، ابنتها مشيرة خطّاب، بكل ما تحمل من رؤى رفيعة وخبرات عميقة وواسعة وممتدة عقودًا طوالًا فى العمل العام، وبكل ما تحمل من جينات حضارة النيل الطيبة التى كتبت للعالم أولَ سطر فى كتاب التاريخ.

كتبت هذا المقال يوم ١٠ ديسمبر، اليوم العالمى لحقوق الإنسان، وفى هذا اليوم ندعم بكل ما نملك من صوت هذا الوجه المصرى الألِق، دكتورة مشيرة خطّاب، لتكون بداية صفحة مشرقة جديدة من كتاب مصر العريق.

التعليقات