حافظوا على المسار!

فيما سبق ذكرت أنه علينا فى مصر أن نعمل من أجل التنمية الشاملة بكل الجد والاجتهاد، وأن نحارب الإرهاب بكل القدرة والقوة والطاقة فى نفس الوقت. نعمل من أجل بناء مصر كما لو كان لا يوجد إرهاب، وأن نحارب الإرهاب كما لو أنه لا توجد مهمة أخرى. المهمتان متناقضتان بالضرورة، وهناك موارد بشرية ومادية محدودة للتوزيع بينهما، ولكن جوهر المسألة هى الاختبار، والقدرة على وضع الأولويات فى كل لحظة، وباختصار فإن السياسة فى بلادنا لابد لها أن تكون فى أكثر لحظاتها فاعلية وحكمة.

ما لا يجب أن نفعله فى هذه المرحلة بعد الحادث الإرهابى المروع فى الكنيسة البطرسية هو أن يرتج علينا الحال، أو أن يعترينا الغضب، وكما يُقال فى الغرب «لا تغضب، وإنما سوّى الحساب» Do Not get mad..get even. فتسوية الحساب مع الإرهابيين ضرورة، ومثل ذلك يكون وفقا للمعايير التى اخترناها، وليس تلك التى يعيش بها الإرهابيون. هم ليسوا مُعَلّمينا، ولا مُرْشِدينا، وكم كان مزعجا للغاية تلك الحالة التى اعترت جماعة منّا فى الإعلام والبرلمان تطالب بمحاكم عسكرية، وأحكام إعدام استثنائية، ووصل الحال بالتأكيد على تعديل الدستور الذى وضعته لجنة الخمسين، واستفتى عليه الشعب المصرى. وبالطبع لا يمنع أحد من سن قوانين تكفل العدالة الناجزة، والجماعة القانونية فى مصر تعرف جيدا ما هى الإجراءات والقوانين التى تحتاجها لتقصير المدى ما بين الجريمة وعقوبة الإرهابى، وفى دول أخرى فإنه يوضع موعد إلقاء الحكم ساعة بدء المحاكمة. المسألة ببساطة ذات طبيعة مالية لضمان طبع الأوراق، وتوزيعها بالسرعة الكافية لقراءتها، وتفرغ قضاة للمهمة. ما عدا ذلك سوف يكون عبثا، وصورة لدولة يدها مهتزة، وعاجزة عن الحفاظ على طبيعتها المدنية، وحكم القانون فيها، ومن ثم تأخذ فى تعديل القوانين والدساتير مع كل لحظة عسرة.

ما يجب أن نفعله هو الحرب ضد الإرهاب والانتصار عليه بأن نضع تحت المجهر حقيقة أن غالبية الإرهابيين يأتون من مناطق بعينها فى مصر: الفيوم، والمنيا، وريف الجيزة، والمطرية فى القاهرة، ومدينة نصر، ومن يرد معلومات أكثر تفصيلا فعليه أن يلجأ للمتخصصين. هذه المناطق عليها أن تخضع للدراسة المستفيضة لمعرفة أسباب صناعة الإرهاب فيها، فالقضية لم تعد ما إذا كان الإرهابيون ينتمون إلى الإخوان المسلمين أو «داعش» أو أن التعاون بينهما وثيق أو عضوى، فالنتيجة فى كل الأحوال واحدة وهى أنهم يريدون هدم الدولة المصرية وتدمير النظام السياسى القائم.

ولكن الحرب ضد الإرهاب لن تكتمل ما لم يكن هناك اندفاع نحو مضاعفة الجهود الراهنة من أجل التنمية. ورغم أن هناك الكثير من الأسباب وراء العمليات الإرهابية المستمرة فى مصر، إلا أنه يمكن أن يضاف للقائمة سبب إضافى، وهو وقف عمليات الإصلاح الاقتصادى الشجاعة التى قامت بها الدولة مؤخرا، وظهر من ناحية أن الشعب قَبِلَ التضحيات اللازمة، ومن ناحية أخرى أنه من جميع المؤشرات الأولية، فإن الجسد المصرى يستجيب للعلاج. وتستطيع السلطات المصرية أن توجه ضربة قوية للإرهاب، وترسل رسالة إلى العالم، إذا ما اتخذت من الخطوات التى تؤكد على استمرارها فى مسيرة التقدم والتنمية وتوسيع المجال العام لكل من يريد المشاركة فى البناء. القائمة هنا تشمل احترام التوافق المجتمعى، والجهد الذى قامت به الجماعة السياسية والمدنية المصرية فيما يخص قانون الجمعيات الأهلية، وقوانين الإعلام والصحافة، وما يماثلها من قوانين لكى نؤكد أن دولة القانون مستمرة، وأن دولة المشاركة ممكنة، وأن دولة الخوف تتراجع. قانون الاستثمار سوف تكون له أهمية حيوية فى التأكيد على أن عملية الإصلاح الاقتصادى التى بدأت سوف تستمر، وأنها لن تضيع فى شبكات البيروقراطية المصرية التى بقصد أو بغير قصد هى الداعم الأكبر للإرهاب، لأن إجهاض الإصلاح هو هدف الإرهاب الاستراتيجى.

إدارة الأزمة جزء مهم من عملية الحرب ضد الإرهاب من ناحية، واستمرار المسيرة من ناحية أخرى. والبداية فيها أنه ساعة الواقعة الإرهابية فإنه لا وقت للغضب، وإنما الوقت كله للقيادة: للرأى العام بحيث يكون جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة، وأن يكون عونا للدولة وليس عبئا عليها، وللإعلام الذى يعانى من ضعف مهنى شديد، وفى ثقة المواطنين، وفى التحرك فى ساحة مظلمة لا تعرف الدولة كيف تضيئها بالمعلومات والخطوات الجارى اتخاذها. وبصراحة تحتاج وزارة الداخلية إلى مكتب إعلامى قوى ومحترف، لا يقوده دبلوماسيون تمرسوا على الكتمان، وإنما إعلاميون يعرفون فضيلة البوح. وإذا ما كان طبيعيا أن يكون السيد رئيس الجمهورية فى مركز الأحداث، لأن الأمة تنظر إليه ساعة الأحداث والأزمات الكبرى، فإن مثل هذا فى حالة حرب طويلة ضد الإرهاب، وحالة عمل كبير وواسع وممتد من أجل التنمية، يحتاج عناصر أخرى من الحكومة والأجهزة الأمنية لكى تكون الرسائل مستقيمة بين الداخل والخارج. خلية لإدارة الأزمة قد تكون حلا، أو تفعيلا لقدرات مجلس الأمن القومى ليس فقط فى اتخاذ القرارات، وإنما أيضا فى إدارة الأزمة. دور الرئيس بالطبع سوف يظل دوما محوريا وملهما، ولكن الدولة التى يتحرك فيها فريق للإصلاح (كما ظهر فى مؤتمر الشباب الأخير) يرسل إشارة بأن بمصر نهضة لا تقوم على فرد، وإنما على جماعة من الإصلاحيين والمقاتلين. هذا هو المسار الذى علينا الحفاظ عليه، والعض عليه بالنواجذ.

التعليقات