حكايات السبت.. «الميسترال» ومفكر النظام

فى قاعدة سفاجا العسكرية، وفوق حاملة الطائرات الهليكوبتر «جمال عبدالناصر» أحسست بالقوة وبالاعتزاز ببلدى وبجيشها، وبما حققه «الرئيس» فى مجال التسليح خلال العامين الماضيين. قد نختلف، وقد نوجه النقد إلى بعض القصور فى الخدمات وفى السياسات الاقتصادية. لكننا لا يمكن أن نفكر إلا أن تحديث القوات المسلحة يتم بعقيدة صحيحة وباستراتيجية متكاملة ليشهد لها الجميع. يقولون إن قيادات الجيش المصرى تدرك التحديات المحيطة بها، وتدرك أن التكنولوجيا فى مجال السلاح قد تطورت، وأن جيش مصر لابد أن يكون له الريادة لكى يبقى لمصر ذراعاً طويلة وقوية أيًا كانت ظروفها الاقتصادية أو السياسية. أعجبتنى ونحن فى ساحة العرض داخل اللواء الثانى وحدات خاصة قرب سفاجا. ونحن فى انتظار وصول الرئيس لبدء الاحتفال. أعجبتنى الكلمة القصيرة التى وجهها الفريق أول صدقى صبحى وزير الدفاع، القائد العام للقوات المسلحة للحضور، التى أكد خلالها أن هذه المنطقة التى نحتفل بها وبتدشينها كانت قبل عام واحد مساحة خالية، وأنه بفضل الفريق أسامة ربيع- قائد القوات البحرية السابق، نائب رئيس هيئة قناة السويس حاليًا، والذى كان جالسًا فى الصف الأول- تحقق هذا الإنجاز. أعجبنى احترام «صبحى» لقيادات الجيش، حتى لو كان هذا القائد قد خرج من الخدمة. أعجبنى ما قام به هو ورجاله خلال الشهور الماضية لكنى تعمقت أكثر فى مفهوم الاحتفال وما وراءه، وتدشين أسطول جديد لمصر. أسطول جنوبى يكون مسؤولاً عن البحر الأحمر وقناة السويس. الحدود الشرقية لمصر منطقة ساخنة للغاية فيها أصدقاؤنا وعروبتنا، فيها أيضًا أزماتنا ومشاكلنا التى ينبغى أن نكون يقظين ومستعدين وأقوياء ونحن نتعامل بشأن هذه القضايا والأزمات. أعجبتنى العقيدة القتالية التى شاهدتها الخميس وخلال الشهور الماضية. يقظة تامة ودقة فى التعامل مع متطلبات المعارك والحروب الكبرى، ومع الأزمات الطارئة مثل تحرير رهائن أو اقتحام سفن. أعجبنى أيضًا «الوفاء» للزعيمين جمال عبدالناصر وأنور السادات بإطلاق اسميهما على حاملتى الطائرات الهليكوبتر.

«عبدالناصر» زرناها الخميس ورفع السيد الرئيس العلم فوقها، واستمع من قائدها لعرض شامل عن إمكانياتها القتالية اللامحدودة. وقد نشر ذلك أمس. وتناولنا «الغداء» فى صحبة الرئيس داخل السفينة. أما «أنور السادات» فهى موجودة بالإسكندرية. تكريم الزعماء السابقين وخاصة الذين قدموا إسهامات مهمة ينبغى أن يتواصل. وألا نستثنى أحداً. تكريم القادة العسكريين السابقين مهم. لكن، لماذا لا نكرم أسماء محمد على والخديو إسماعيل والخديو عباس حلمى الثانى والملك فؤاد.. وحتى الملك فاروق الذى الذى انسحب من المشهد السياسى طواعية وظل محبًا لمصر حتى وفاته. ونحن نبنى مصر لا ينبغى ألا يكون لدينا أى حساسيات تجاه الماضى ورجاله.

لكنى فى المقابل، فى داخلى تناقض نفسى وفكرى تجاه الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فأنا أعرف قدر الرجل كقائد عسكرى سابق، ومسؤول عن القوات الجوية فى حرب أكتوبر. لقد قرأت عن ذلك وتعايشت مع ما قام به عندما خدمت كجندى فى «الدفاع الجوى». دور الرجل السلبى فى السياسة الذى استدعى قيام ثورة كاملة ضده قد يؤجل من تكريمه. لكنى واثق فى النهاية أنه بعد سنوات معدودة، قد نجد من يعيد الاعتبار للرجل كقائد عسكرى عظيم إلى جوار باقى القادة الذين حققوا النصر لمصر.

«مفكر النظام»

شرد ذهنى لأمور مختلفة وأنا فوق السفينة. قبيل سفرنا بيوم واحد كانت المعلومة التى وصلتنى، أن الرئيس سيرفع العلم فوق حاملة الطائرات «أنور السادات» وليس «جمال عبدالناصر»، لكن تم تصحيح الخبر فيما بعد. دار فى ذهنى، وضعنا السياسى الحالى ومشاكله، الصورة الحالية للمشهد الإعلامى المرتبك فى مطلع 2017، وكيف ستكون الصورة غائمة للغاية، ولا أريد أن أكون متشائمًا وأقول: بل هى «قاتمة».

وإذا كان الرئيس يكرم اسمى الزعيمين عبدالناصر والسادات، فهل يمكن أن نتذكر منهجهما السياسى والإعلامى. لم تكن الأمور على ما يرام حينها فى مجال الحريات وفى التعامل مع الصحافة على وجه التحديد.

فى عهد عبدالناصر بالتحديد، هناك «إعلام الدولة» ونظرية اشتراكية تحكم الاقتصاد والعمل السياسى أيضًا. الحريات كانت محدودة لكن كان هناك دولة عدالة. والاهم أنه كانت هناك مرجعيات سياسية فكرية للنظام. فى عهد السادات حاول الرجل هو ومن معه تقليد الغرب بإقامة حياة ديمقراطية لكن التجربة لم تكتمل. استمرت المناورات السياسية فى عهد مبارك. كسبنا أرضًا جديدة. تحدثنا عن «هامش الحرية» قدمنا صحافة معقولة. أخطأ البعض، وأخطأ مبارك ورجاله أيضًا. لكن كانت هناك «دولة» و«نظام» ومرجعية. أين نحن الان منها؟.

أنا مخلص لهذه الدولة ولاستقرارها. وأحيانًا ما يسألنى البعض: هل لدينا حرية الإعلام بعد ثورتين للشعب؟، هل تقدمنا أم تأخرنا؟، ولماذا يوجد صحفيون فى الحبس؟، ولماذا يوجد شباب من المحسوبين على الثورة فى نفس الحبس؟. لدىّ دائمًا إجابتان عن هذا التساؤل، وبالطبع فى أعماق نفسى أؤمن بالحرية وبأنها ستنتصر ولكن إجابتى هنا هى أقرب للتحليل وشرح الوضع أو لاستقراء كيف يفكر أولو الأمر.

إجابتى الأولى: أنه عندما أُعطيت وسائل الإعلام هامشا معقولا، حصلوا على تأثير تراكمى عند الرأى العام، وزاد الوعى، وما هى إلا سنوات معدودة إلا وتحققت الثورة على نظام مبارك. ولذلك لا ينبغى العودة بأى وسيلة لهذا السيناريو مجدداً.. ولابد من «ترشيد الحريات» والإعلام بالتحديد. إجابتى الثانية: أن النظام يشكل نفسه حاليًا.

ما نراه على السطح ما هو إلا «نواة» هذا النظام، أما معالمه فستظهر شيئًا فشيئًا. نحن نعيش الان معالم نظام مصرى مختلف. من هو مفكره؟، لا أعرف. فرد أم «جهاز»؟، هل يؤمنون بالليبرالية؟، تعددية حزبية وحريات للمجتمع المدنى وللصحافة؟، تنافسية حقيقية فى المجال الاقتصادى؟. كل المؤشرات التى ظهرت على السطح أو بدأت فى الدوران حول «النواة» التى تشكلت تؤكد عكس ذلك: إنها ليست «ليبرالية». ما حدث لأكثر من حزب وآخرها «المصريين الأحرار». حملة الدمج الغامضة لوسائل الإعلام وخاصة الفضائيات والتى تقترب من الصحافة.. كلها تؤكد أن شيئًا خفيًا يحدث. كل ما أتمناه أن يظهر القائمون على الأمر إلى الملأ ليقولوا لنا ماذا يفعلون، من يفكر لهم. فالغموض فى هذه الحالة لن يفيد. لابد من الحوار حول هذا «الفكر الجديد». هل لديهم نظرية جديدة للدولة ولحكمها لم تتحقق فى الشرق أو الغرب، قديمًا وحديثًا؟، هل يقلدون النموذج الروسى الحالى، أم أقرب إلى النموذج الصينى، أم أننا نسير إلى نموذج كوريا الشمالية؟.. لا أتمنى ذلك ولا أتوقعه.

«طارق نور»

قناة «القاهرة والناس» من أكثر القنوات تنوعًا بدون استعلاء على المشاهد وبدون استعراض أيضًا. لديها منهج تجريبى أعطاها حيوية دائمة ونوعا من الجنون المقبول. هذه التوليفة قائم عليها رجل إعلامى مثقف ولديه خبرة نادرة هو طارق نور. تربينا على صوته وعلى إعلاناته فى التليفزيون والإذاعة. لم يحفظ الأطفال الإعلانات ويرددوها إلا فى زمن طارق نور.

الرجل داعم للاستقرار وللسيسى ولـ 30 يونيو بوجه عام. كانت لديه طبخة سياسية يومية جناحاها إبراهيم عيسى، وأسامة كمال. الأول مقرب من الرئيس وأجرى معه أول حوار فى حملته الانتخابية للرئاسة. له مواقف متشددة ضد الإخوان وضد محمد مرسى بالتحديد، ورغم هجوم البعض عليه كان نجمًا فى مؤتمر الشباب بشرم الشيخ إلى جوار الرئيس. بسبب مواقف لعيسى من قضايا داخلية وإقليمية، ومن تيران وصنافير بالتحديد، تصاعدت أزماته وأزمات برنامجه إلى أن تم وقفه.

أسامة كمال الجناح الآخر، غادر إلى قناة دى إم سى.. وهو داعم للرئيس حتى الآن.. ومعه أجرى الرئيس مداخلة شهيرة. طارق نور توالت الأزمات من حوله. كان أولها تعطيل معرض «لومارشيه» وثانيها الضغوط لوقف برنامج إبراهيم عيسى، أما أحدث هذه الضغوط فهو وقف حملة ترشيد الطاقة التى تنفذها وكالته باقتدار. معلوماتى التى راجعت فيها مسؤولين مهمين ونافذين فى وزارة الكهرباء أن «الحملة» ستذهب إلى وكالة أخرى صاحبها مقرب من «الدولة». وإذا كان لدىّ رسالة أو نصيحة فى هذا المجال وهى صادقة: لا تخسروا رجلاً ناجحًا وهو صديق لكم من أجل منتج غامض وقد لا ينجح!.

«الضبعة»

سألت وزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر بشكل مباشر: متى توقعون اتفاقية البرنامج النووى مع الجانب الروسى، ولماذا تأخرت. الوكالات الروسية كتبت عن توقيتات محددة من قبل، وكلها مرت دون توقيع ودون نفى أو تكذيب منكم. الرجل أكد أن البرنامج مستمر ولم يتم إلغاؤه ولكنه قال لى: أنا المصدر الوحيد. لا تأخذ معلوماتك من غيرى. احترمت ذلك كثيراً. هو وزير ناجح ومنظم ويستحق الشكر. لكن «شاكر» وباقى قيادات الكهرباء لا يشرحون، لماذا تأخر الاتفاق، وما هى معوقات التوقيع؟. هل هى أمور مالية، هل هى «نقطة نظام» من الحكومة بعد أزمة سعر الصرف الأخيرة خاصة أن التكلفة المعلنة للمحطات الأربعة هى 25 مليار دولار؟. هل هى أزمة دورة الوقود، هل لدى الروس أزمة فى دورة المخلفات، هل وجه البعض انتقادات لسجل الشركة الروسية؟. ولدىّ أسئلة أخرى تتجاوز الوزير «شاكر»: هل ترهن روسيا- حقيقة- عودة السياحة بتوقيع البرنامج النووى؟.

هل يمكن الإجابة من أى مسؤول عن هذه النقاط بشكل محدد؟.

أنا تعايشت مع البرنامج النووى المصرى لفترة طويلة، استمعت إلى المؤيدين والمعارضين له. أحترم الفريقين كثيراً. مع الإعلان عن قيمة العقد تبدلت مواقف كثيرة، أعرف داعمين للمشروع صاروا مهاجمين له. أتذكر أننى شاركت فى مؤتمر صحفى قبل عشر سنوات تقريبًا، وكان المتحدث من رجال الأعمال الرافضين لتنفيذ المشروع فى «الضبعة» لمصالح رجل الأعمال هذا ومشروعاته فى الساحل الشمالى، وحينها وجهت للرجل أسئلة ساخنة واعترضت على موقفه. الآن وبعد حسابى لقيمة العقد بالجنيه المصرى وبعد أن استطاعت مصر تحقيق الاكتفاء من الطاقة الكهربائية بالمحطات التى بنيت خلال العامين الماضيين، وما ننشره عن آفاق الطاقة المتجددة وخاصة «الشمسية»، أعلن أننى غيرت موقفى وصرت من معارضى «الضبعة»، غير أننى سأظل أمينًا فى نشر كل ما يتعلق بالملف.. وسأظل أيضًا متطلعًا وشغوفًا بدخول مصر لـ «العصر النووى».

 

التعليقات