شربة الدكتور عجيب وضحاياها

بعد سنوات من العمل فى الخليج عاد الدكتور عجيب إلى أحضان الوطن وطرح فى الأسواق تركيبته المدهشة: شربة عجيب لصاحبها الدكتور عجيب.

الشربة كما تقول الإعلانات حل أبدى لمعظم أسقام البدن من الصداع والحمى إلى الصدفية والبرص والبهاق، ومن الربو الشعبى والتهاب المفاصل إلى الحمى الشوكية وسرطان الدماغ.

لم يتمكن أحد من القطع بحقيقة امتلاك الشربة لتلك الخصائص المدهشة المكتوبة فى دليل استخدام من عشر وريقات يوزع مع كل عبوة، أو فى القطع بدور المصادفة فى الحالات المحدودة التى قيل إن الله شفى أصحابها من أمراضهم. لكن المؤكد أن عددا غير قليل ممن تناولوها أصيبوا بالتسمم وأن نسبة منهم وافته المنية.

تضخمت ثروة عجيب وذاع صيته. ولم يكن يخجل أو يتردد عند مواجهته بحقيقة سقوط ضحايا ماتوا أو تسمموا بسببها. هؤلاء فى رأيه من ضعاف المناعة وربما يتعاطون بالفعل أدوية أخرى تتزايد معها الآثار الجانبية التى لا يخلو منها دواء.

لم يتوقف الناس عن تعاطى شربة عجيب بل أدمنوها، خاصة بعد الحملة التسويقية التليفزيونية الضخمة التى روجت لخصائصها الوقائية ودورها فى زيادة المناعة والتركيز والحيوية. ظهر الدكتور عجيب فى الإعلانات ليعلن بابتسامته الواثقة أن الشربة مصنعة باستخدام أحدث الأجهزة وأنها تستند إلى تركيبات معتمدة فى مناهج كلية الصيدلة وفى دساتير الأدوية.

ارتفعت أصوات تطلب تعليقا من كلية الصيدلة التى تخرج فيها عجيب. لكن الكلية التزمت الصمت ولم يصدر عنها سوى بيانات تدين الدجل وتؤكد أهمية العلم وضرورة الابتعاد عن الترويج للأدوية المغشوشة. فى أحد هذه البيانات أكدت الكلية ما قاله عجيب من أن ضعف مناعة البعض يجعلهم أكثر عرضة للآثار الجانبية للأدوية مما قد يصيبهم بالتسمم.

استيقظ الناس ذات يوم على تحقيق ميدانى منشور فى إحدى الصحف تمكنت فيه الصحفية المعروفة سوزان الزنان من التسلل كمتدربة لمعامل الدكتور عجيب. حكت الزنان عن تجربتها داخل المعامل ونشرت نتائج تحليلات معملية أجريت فى سويسرا وكندا واستراليا، جاءت كلها متطابقة من حيث وجود مكونات سامة وبنسب خطرة فى شربة عجيب. الأغرب كان ما كتبته الزنان من أن الدكتور عجيب لا يوظف إلا صيادلة أكفاء. والأكثر إثارة للدهشة كان الكشف عن أن التركيبة الأساسية لشربة عجيب موجودة فى دستور الصيدلة المصرى من إصداره الأول وحتى آخر إصداراته فى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى، بل وتقوم الكلية بتدريسها وتدريب الطلبة على تحضيرها منذ السنوات الأولى للدراسة.

استمرت جريمة الترويج للمنتج السام الذى أقبل عليه الناس وجنى الدكتور عجيب من ورائه ثروات طائلة، وظلت الأسئلة الأساسية مطروحة:

لماذا لا تعقب الكلية على السقوط المتوالى لضحايا تركيبة يقوم أساتذتها بتدريس مكوناتها وطريقة تحضيرها؟

لماذا لا ترفعها من مناهج التدريس وتعيد إصدار دساتير أدوية منقحة بعد مراجعة التركيبات المتداولة والمنقولة من دساتير الأدوية المتعاقبة؟

كيف يمكن الركون إلى فكرة ضعف المناعة عند البعض لتبرير الأضرار التى أصابتهم من منتج مسموم بالفعل ومتداول فى الأسواق؟

لو وصلت حتى هذه النقطة يمكنك أن تعيد طرح الأسئلة مرة أخرى ولكن بصياغة مختلفة:

لما لا يعقب الأزهر على السقوط المتوالى لضحايا منتجات فكرية يتم ترويجها داخل جامعته وفى المساجد وعلى شاشات التليفزيون وينتج عنها ظهور متطرفين يذبحون الناس فى وضح النهار بدوافع يرونها دينية؟

لماذا لا يرفع الأزهر الفكر المروج للطائفية والكراهية من مناهج التدريس ويعيد إصدار طبعات منقحة من الكتب التى يدرسها لطلبته؟

كيف يمكن الركون إلى فكرة إصابة المتطرفين بأمراض نفسية لتبرير انسياقهم وراء أفكار مستقاة من منتج فكرى مسموم بالفعل ومتداول فى المناهج الدينية والمساجد والزوايا وعلى شاشات التليفزيون؟

التعليقات