«عطّش.. وبعدين ارفع»..!

عطّش السوق.. واستذل المستهلك بحاجته إلى السلعة.. ثم ارفع سعرها كيف شئت.. وسيقبل صاغراً، بل ومبتهجاً بالسعر الجديد. معادلة جهنمية من المعادلات التى تدار بها السوق المصرية. على سبيل المثال.. إذا كنت تريد رفع سعر السكر، قلل المعروض منه فى السوق، ومع تكالب الناس على الفوز بكيلو منه، يمكنك أن تصل بهم إلى حالة «الحصول عليه بأى سعر»، حدد بعد ذلك السعر كما يحلو لك، حتى يتعود المستهلك عليه، وفى اللحظة التى تتوافر فيها السلعة سوف يتقبل السعر الجديد لها. هذه المعادلة وصلت مؤخراً إلى «المحاليل الطبية» التى ارتفع سعر الكرتونة الواحدة منها إلى 600 جنيه، طبقاً لتصريحات نقيب الصيادلة، بعد أن كان سعرها يقل عن 100 جنيه. إنها المعادلة الشيطانية التى يصح أن تجد تطبيقات عديدة لها فى حياة المواطن المصرى، بدءاً من كشك السجائر التى تحدد أسعارها «ع الكيف» (مش أحسن ما تختفى).. وحتى «كوبانية النور» التى تحدد الفاتورة الشهرية للاستهلاك «ع المزاج» (مش أحسن ما النور يتقطع)!.

ثلاث أطراف تهيئ أسواق بعض السلع داخل السوق المصرية للخضوع لهذه المعادلة، أولها المحتكر الذى يمسك بمقبض «الحنفية»، ويتحكم فى تدفق السلعة إلى السوق، وثانيها الموزع الذى يملك تخزين السلعة، وسحبها من العرض، إمعاناً فى تعطيش السوق، وثالثها الجهة الحكومية المسئولة عن توفير السلعة، التى يحكمها الإهمال، وترك المواطن لقدره، أو الفساد القائم على التنسيق مع محتكرى السلعة. هذه الأطراف الثلاثة مسئولة بنسب ودرجات متفاوتة عن الضغوط التى يعيشها المواطن، وهو يبحث عن كيس سكر أو زجاجة زيت أو محلول طبى أو علبة سجائر، حين يتعالى صوته بالشكوى، دون أن يجد أذناً واعية من جانب المسئولين، فكيف يستجيب مسئول لمواطن «غنى بس بيستعبط». المسئول يرى نفسه «غلباناً» قياساً إلى المواطن. وإليك الدليل!.

البنك المركزى الذى اتخذ قرار تعويم الجنيه أمام الدولار، وخلق الأجواء المناسبة لسحق المواطن بالغلاء، اتخذ المسئولون به مؤخراً قراراً بإلغاء «الحد الأقصى للأجور»، الذى تم تحديده بـ42 ألف جنيه شهرياً، انطلاقاً من عدم تطبيقه فى العديد من البنوك المصرية التى تعمل تحت مظلته، ومراعاة للظروف الاقتصادية التى تعيشها البلاد، كما اتخذ قراراً بزيادة مرتبات العاملين بالبنك بنسبة 5%، تحت نفس الذريعة. الكفاءات النادرة بالبنك المركزى فقيرة وغلبانة قياساً إلى المواطن الغنى المترف الذى يرفل فى النعيم، ومع ذلك لا يتوقف عن «الاستعباط» على الحكومة السنية!. السيدة بسنت فهمى، عضو مجلس النواب قالت منذ يومين إن «البيوت المصرية مليانة فلوس»!، وقد كانت -كما تعلم- من أكثر المتحمسين لقرار تعويم الجنيه، ومن أشد الواثقين أن سعر الدولار سوف يهبط، وراهنت -كما ذكرت لك ذات مرة- على أن الاحتياطى النقدى لمصر سوف يصل إلى 35 ملياراً منتصف 2016 الماضى!.

ثنائية «التعطيش/ الغلاء» تكاد تكون السر وراء تشكك المواطن فى جدية الحكومة فى الإصلاح الاقتصادى، حين يراها تتخذ قرارات تستهدف استنزافه كى تصلح أوضاعها المالية، وليس من أجل إصلاح الأوضاع الاقتصادية التى يحيا فى ظلها المواطن.

التعليقات