حكايات السبت.. سحر والشريف.. و«البابا والطيب»

سافرت هذا الأسبوع للمنصورة مرتين، الأولى لزيارة عائلتى، والدى ووالدتى وإخوتى فى قريتنا المقاطعة. ضغوط العمل وهمومه تخنق الارتباطات العائلية. الزيارة الثانية للمشاركة فى عزاء الزميل السيد الباز رحمه الله. التغيير الوزارى شغلنا كثيراً، أسراره ممتدة. لماذا خرجت أسماء ناجحة ولماذا بقى وزراء عليهم علامات استفهام؟ شاركت هذا الأسبوع فى الاجتماع التشاورى الأول لمبادرة تعزيز القيم والأخلاق برعاية الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، والذى عقد بمشيخة الأزهر. اللقاء الذى جرى يوم الثلاثاء تواكب مع «عيد الحب»، سألت: هل هى مقصودة أم مصادفة؟.. لم يجبنى أحد!

سحر والشريف

 

قال لى أحد أشهر الساسة من زمن مبارك- الذى ظل صامتاً حتى الآن وأتمنى أن يوافق على الكلام معى- قال لى: ركزوا على مسيرة الدكتورة سحر نصر، وزيرة التعاون الدولى والاستثمار، فى التشكيل الجديد، وكذلك الدكتور هشام الشريف، وزير التنمية المحلية. هو عمل مع الشريف- أو الشريف عمل بجواره، فشرح لى إنجازات الرجل فى مجال المعلومات وحول نسب الفقر، خاصة فى الصعيد، وسبل مواجهتها، وقال لى: هذا الرجل يستحق منصباً أعلى.. وهو قادر على الإنجاز. قلت له: الرجل كان مرشحاً من قبل لشغل منصب مدير مكتبة الإسكندرية، أى أن الرئيس وجهازه الأعلى يثقون فيه. أما «سحر» فمعلومات الرجل عنها محدودة، أما أنا فأعلم أنها تؤدى باحترافية، وأن الرئيس يتابع خطواتها ويساندها، وحتى لغة البيان الرئاسى التى جرت قبل عدة شهور وفهم البعض من خلالها أن الرئيس يوبخ «سحر» بشأن تزايد القروض الخارجية، قد فُهمت خطأ تماماً، وكانت لغة البيان متفقا عليها، وهى رسالة لصندوق النقد وللعالم كله. مرجعية مهمة للرئيس وللمجلس العسكرى الأسبق تدعم «سحر»، بل هى تعتبر- هذه المرجعية - أباها الروحى. تردد أن لها صلات عائلية بقيادة مهمة أخرى. زوجها رجل أعمال ناجح، محصلة عمل الوزيرة أنها نجحت فى عملها بعيداً عن كل هؤلاء. تردد أيضاً أن هناك صراعاً ومنافسة بينها وبين وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد، وكذلك مع محافظ البنك المركزى طارق عامر- الذى كان يدعم داليا- انتهى ذلك الآن. وبالمناسبة، فإننا لم نخطئ فى «المصرى اليوم»- مثل بعض المواقع والصحف الأخرى- بترديد أن الدكتور على المصيلحى مرشح للاستثمار. نقلنا تصريحات من قيادات البرلمان حول ذلك، لكننا كنا نعرف أن الرجل قادم لـ«التموين» بعد التقارير السلبية العديدة حول أداء الوزير السابق محمد على مصيلحى. وبهذه المناسبة، أشكر الزميل المجتهد والعميق مع مصادره محمد الصيفى، الذى أقسم لى على مدار يوم كامل أن الدكتور «على» عائد لـ«التموين» ولن يذهب للاستثمار. مازلت أتساءل: لماذا خرج الدكتور جلال سعيد من «النقل»؟ الرجل نجح فى القاهرة، ونجح مرتين فى النقل، هل صحيح أن شخصيات رئاسية وسيادية مهمة لم يعجبها طريقة أداء الرجل أو اهتمامه الزائد بإنجازات وزارته على حساب إنجازات جهات أخرى تؤدى فى «الطرق» بالتحديد؟، لقد لمست تراجع نسب المشاكل فى المرافق الجماهيرية لـ«النقل»، مثل السكة الحديد والموانئ والطرق، الرجل مسيرته الأكاديمية والسياسية نظيفة وكذلك ذمته المالية، فلماذا تم خروجه والإبقاء على وزراء غير مرحب بهم جماهيرياً أو فى بيئة أعمالهم مثل وزير الصحة على سبيل المثال؟!.. تردد أمامى من زملاء صحفيين- أحدهم يعمل فى «المصرى اليوم»- أن جهات سيادية أجرت مسحاً لـ«الخارجية»، وأن الوزير- الذى كان اسمه مرشحاً للخروج- سيبقى فى منصبه لعدة شهور فقط، وذلك لطبيعة الارتباطات والمؤتمرات الكبرى على أجندة مصر، وأبرزها القمة العربية فى الأردن بعد أسابيع معدودة. وبهذه المناسبة، تردد أن التسريبات متهم فيها «ساعة» تم إهداؤها للوزير من إحدى الجهات!

سألت كثيراً- أيضاً- لماذا خرج وزير التخطيط أشرف العربى. الرجل كان مرشحاً ليصبح نائباً لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية. كان مقرباً من الرئيس. كان يجلس إلى جوار الرئيس فى اللقاءات الكبرى، بينما وزراء سياديون يجلسون فى أماكن قريبة منه. تردد أن المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، قال إنه لا يريده، وتردد أيضاً أن الرجل يتم تجهيزه لمنصب رفيع خلال أسابيع، كنا على يقين فى «المصرى اليوم» من اسم وزير الزراعة. الزميل المثقف متولى سالم زار الدكتور عبدالمنعم البنا فى مكتبه صباح الثلاثاء، وأبلغه البنا بالخبر وطلب منه الكتمان حتى تعلن رسمياً. «باركت للرجل. تحاورت معه بشكل موسع فى الفرافرة» حين أعطى الرئيس إشارة البدء لحصاد القمح الصيف الماضى هناك. الرجل من الخبراء القلائل المطلعين على خطط المليون ونصف المليون فدان. هو عالم حقيقى. أعجبنى عقله وسَعة اطلاعه.

صديقى متولى فسر فلسفة اختيار 3 نواب لوزير الزراعة بأن الرئيس أراد توزيع الجهد، وأنه علامة على عودة الاهتمام بقضايا الزراعة بشكل أعمق، وأنه لا يوجد وزير سوبر- وزارة الزراعة تغير عليها خمسة وزراء منذ 30 يونيو 2013.

بقى هنا فقط أن أشير إلى أن الدكتورة منى محرز على حسنين، نائب وزير الزراعة لشؤون الثروة الحيوانية والسمكية، والتى شغلت منصب مدير المعمل المركزى للرقابة على الإنتاج الداجنى، وأدت بشكل رائع فى أزمة أنفلونزا الطيور بداية من عام 2006، هى زوجة الكاتب المثقف والمجدد عادل نعمان، الرجل معتز بهذا الاختبار ومساند لزوجته، وقد هنأته على حسن اختيار الرئيس، وتمنيت للدكتورة منى التوفيق.

«البابا والطيب»

فى مداخلة مقتضبة لم تتعد مدتها ثلاث دقائق، أكدت أننا ندعم مبادرة «تعزيز القيم والأخلاق» التى يرعاها الأزهر الشريف والكنيسة المصرية. «المصرى اليوم»، صحيفة وموقعا، تحت تصرف المؤسستين الوطنيتين وكل القائمين على هذه المبادرة. حضرت الاجتماع التشاورى الأول لهذه المبادرة فى مشيخة الأزهر الثلاثاء الماضى. شكرت موجهى الدعوة نظراً لأهمية الموضوع وعمقه. «تعزيز الأخلاق». المسودة التى صيغت بعناية وموضوعية وجاء أول سطورها هكذا: «شهدت مصر فى الأعوام الأخيرة تراجعًا ملحوظًا فى منظومة القيم والأخلاق، وانتشاراً غير مسبوق لسلوكيات وآفات وانحرافات اخترقت النسيج المجتمعى المصرى، وباتت تنذر بعواقب وخيمة تهدد فئات المجتمع».. كلمات شيخ الأزهر والبابا تواضروس فى الافتتاح كانت رائعة، والأجمل منها كلمتاهما «الإمام والأنبا» فى الختام. أحسست بمرارة فى لسان «الطيب» وفى قلبه من الإعلام. قال إنه لا يقرأ ما يُكتب فى الإعلام المصرى حاليًا. معظم ما يكتب عن الأزهر يتضمن معلومات غير صحيحة. وإنه أرسل ردوداً ولم تنشر. مقام شيخ الأزهر محفوظ بالطبع. نحن نكن له كل احترام وتقدير. نسانده بالطبع، لكن ندعوه للتواصل أكثر مع الرأى العام. ليس كل الإعلام ينشر كذبًا ضد «المشيخة». فرّق يا سيدى بين مكانتك الدينية والروحية - التى نعتز بها - وما يصدر من بعض الشيوخ.. ما نطلبه من تجديد وتطوير فى الخطاب الدينى، وما يقوله بعض الشيوخ على المنابر، بل فى الفضائيات. يا سيدى، نحن لدينا استقلال ملحوظ فى قرارنا التحريرى، ولم نتحيز إلى رؤية رئيس الجمهورية فى الطلاق الشفوى. أخذنا خطًا محايداً. لم نجامل الرئيس كما فعل البعض، رغم أننا كصحيفة ليبرالية «تنويرية» يرى معظمنا - هنا - أن هناك ضرورة لتقنين الطلاق الشفوى. أعترف أن البعض يتجاوز ضد «المشيخة» وضدكم. وأعتقد أن جهات بعينها وقد تكون «رسمية» تقف مع هذا الهجوم، لكن أكرر: نحن نحترمكم.. نساند هذه «المبادرة» وفى انتظار تفعيل قراراتها. أعجبنى كلامكم الصريح عن «أزمة التعليم العام والأزهرى». أعجبتنى أيضًا كلمات البابا حول تراجع الأخلاق، وأتمنى أن يتم تنفيذ ما قاله حول إيجاد مرصد للأخلاق فى الأعمال الدرامية والسينمائية. يعجبنى عقل «البابا تواضروس»، وتصالحه، وثقافته الواسعة. زميلنا المتميز عماد خليل قال لى إن «الأنبا» لايزال غاضبًا من مانشيت صنعناه قبل عام حول زيارته للقدس.. قلت له: لدينا أهم كُتّاب رأى من الأقباط.. نفهم القضايا القبطية. لم نتحيز- ولو لمرة- لفئة على حساب أخرى. أتحدى أن يتم تصنيفنا دينيًا.

ابتعدت عن المؤتمر وما جاء فيه. وبصراحة، فإن الفنان محمد صبحى كان نجم الجلسة، بصراحته وعمقه ورؤيته حول الأخلاق وغيابها فى برامج الإعلام. أفكار الحضور، وكانوا نحو ثلاثين مدعواً من رموز الكنيسة والأزهر والإعلام، كانت رائعة، لكن ما أعجبنى حديث «صبحى» عن القيم الموجودة فى الفضائيات الجديدة، كان يقصد فضائيات جهات رسمية بعينها، أنفقت المليارات على برامج لا تقدم سوى أخلاقيات فاسدة.

كلمات صبحى شجعتنى لكى أتحدث فى مداخلتى عن قيمة احترام الرموز والشخصيات العامة فى المجتمع. احترام الدستور والقوانين. التسريبات التى تتبناها فضائيات بعينها وإعلاميون قريبون من الدولة. وطلبت من الأزهر والكنيسة أن يصدرا بيانات إدانة حول مثل هذه التسريبات.. قيمة الحياة الخاصة مهمة تكفلها الأديان والقوانين. لا يجب السكوت على مثل هذه التسريبات!

السيد الباز

.. أقول دائماً لأصدقائى القاهريين، أو عندما يكتب الزملاء الصحفيون إنه مَن لم يقم مأتمه فى «عمر مكرم» لم يمت، ومن لم ينشر نعيه فى «الأهرام» لم يمت أيضاً- أقول لهم: هذا غير صحيح تماماً.. من لم يقم مأتمه فى الريف- فى قرى الدلتا أو الصعيد- لم يمت، حقيقة. حضرت عشرات الجنازات فى القاهرة. ذهبت للمشاركة فى عزاءات بعمر مكرم وفى آل رشدان وحتى فى مسجد المشير.. كلها بالنسبة لى- كريفى عاش وتربى فى قرية- كلها جنازات شبه خالية. لو رأى أبى جنازة فى عمر مكرم وخلف نعش المتوفى عشرات الأفراد لتحسر على صاحبها. الجنازات لدينا مسيرات صامتة للآلاف. لا أحد يتخلف، لا أحد فى القرى والمدن المجاورة يفوته واجب العزاء.. والذهاب لبيت الفقيد أو لسرادق العزاء. هكذا كانت جنازة زميلنا وصديقنا السيد الباز فى قرية بدواى التابعة لمركز المنصورة. آلاف الحضور يتقدمهم محافظ الدقهلية وعدد من كبار المسؤولين بالمحافظة.

مسيرة السيد مع «المصرى» استمرت لمدة اثنى عشر عاماً. كلها عطاء وإنجاز وجوائز. لم أشاهده أنا وغيرى من الزملاء إلا مبتسماً حتى وهو يطالب بمستحقاته المتأخرة لدينا، خاصة حين كان يبدع ويقدم لنا فيديوهات منوعة من أنحاء الدقهلية عن معاناة الناس مع العطش أو الزحام، أو مظاهرات هنا أو هناك. كان السيد نجماً فى «الأولى» والأخيرة. كان لا يترك شهيداً إلا وشارك بصورة فى جنازته. قلت للزملاء بعد وفاة السيد إن الدقهلية قدمت على مدار الأعوام الأخيرة العدد الأكبر من الشهداء فى مواجهة الإرهاب، خاصة فى سيناء، وقدم «السيد» أفضل صور لجنازات الشهداء. كنت أعرف دائماً أن جنازة أى شهيد فى قرى المنصورة ستفرض نفسها كصورة المانشيت. ارجعوا إلى أرشيفنا، ارجعوا إلى صفحة «السيد» على «الفيسبوك» واحسبوا معنا كم عدد صور الشهداء الذين شيعهم السيد. احسبوا عدد صوره على صدر صفحاتنا. زميلتى وصديقتى غادة عبدالحافظ أكثر المهمومين بفراق «السيد»، هى جزء من العائلة، تعرف أفرادها. عشت معها ومع السيد أفراحهما بخبر وصورة.. بانفراد هنا وهناك.. وحتى خناقاتهما «الطبيعية». هى صحفية رائعة وإنسانة وفية. أحس أنها فقدت أخاً وصديقاً لا يعوض، رحم الله صديقنا، والعزاء متواصل لوالده الكريم ولأولاده.

المحافظ الُمقال

محافظ الدقهلية الُمقال أو الخارج فى حركة الأربعاء الماضى، حسام إمام، كان لنا آخر لقاء معه تقريبا بمبنى المحافظة بالمنصورة. كانت المرة الأولى التى أدخل فيها مكتب المحافظ فى العاشرة من مساء الثلاثاء. كنا قد أنهينا واجب العزاء فى زميلنا السيد. وطلبت من زميلتنا غادة أن تتصل به لأشكره على حضوره الجنازة، فأبلغتنى بعد أن اتصلت به أنه لايزال فى مكتبه وينتظرنا.. ذهبنا إليه وتحاورت معه بشكل موسع فى حضور زميلى وصديقى جمعة حمدالله، رئيس قسم الأخبار، وعدد من الصحفيين الرائعين مديرى مكاتب الصحف فى المنصورة. كان معظم الحوار عن أرض جامعة الدلتا فى جمصة، والتى ساندنا الموقف القانونى للمحافظة بشأنها. تقرير غادة وكذلك عدد من الزملاء فى باقى الصحف يؤكد أن هذه القضية بالتحديد كانت وراء خروج إمام، الذى أعرف علاقته الإنسانية والوظيفية السابقة مع المهندس إبراهيم محلب، مساعد الرئيس للمشروعات القومية، والمسؤول عن ملف الأراضى. كل ما أتمناه مزيدا من الشفافية والعدل والإنصاف فى هذه القضية، وكل الأمنيات للمحافظ الجديد ولكل المسؤولين الجدد.

التعليقات