هوامش قانونية حول انتخابات الصحفيين

تفصل محكمة جنح مستأنف قصر النيل، اليوم، فى الاستئناف الذى تقدم به دفاع نقيب الصحفيين «يحيى قلاش»، وعضوى مجلس النقابة جمال عبدالرحيم، وخالد البلشى، على حكم محكمة أول درجة بحبس كل منهم عامين، بتهمة إيواء مطلوبين للعدالة فى مقر النقابة، وبصرف النظر عن أن المحكمة قد تقرر مد أجل الحكم إلى موعد آخر، أو تصدر حكمها بتأييده أو تعديله أو إلغائه، وعن أنه لاتزال هناك مرحلة أخرى من التقاضى قد يلجأ إليها أحد أطراف النزاع، فى هذه الحالة هى اللجوء إلى محكمة النقض، فإن الحكم - أو القرار - الذى سوف تصدره المحكمة، اليوم، سوف يترك أثره البالغ على معركة انتخابات نقابة الصحفيين التى تجرى يوم الجمعة المقبل.

وحتى الآن، لايزال الخطاب الدعائى السائد فى هذه المعركة يتسم بالغموض والتشوش تجاه هذه المسألة الموضوعية بالغة الأهمية.. وقد آن الأوان لكى يعلن جميع المرشحين المتنافسين على موقع النقيب وعلى مقاعد مجلس النقابة، بوضوح وبلا مراوغة، موقفهم المبدئى من الخلاف حول تفسير نص المادة 70 من قانون النقابة، بين تفسير مجلس النقابة بتشكيله الحالى، الذى ذهب إلى أن النص لا يجيز تفتيش مقار النقابة إلا بحضور وكيل للنائب العام ونقيب الصحفيين أو من ينيبه عنه، وبين تفسير السلطة التنفيذية التى ذهبت إلى أن هذه الضمانات تقتصر على التفتيش لأسباب إدارية، لا تشمل تنفيذ قرارات القبض على المطلوبين للعدالة.

تلك مسألة جوهرية لا يجوز التهرب منها، ولا صلة لها بالتذرع باحترام أحكام القضاء التى يتفق الجميع على ضرورة احترامها، ولكنها تتصل مباشرة بالحصانة التى أضفاها القانون على النقابات المهنية، حفاظاً على الاستقلال الذى كفله لها الدستور، ولكى يحول بين السلطة التنفيذية وبين إساءة استغلال نفوذها باقتحام مقار النقابات عقاباً لها على مواقف اتخذتها فى نطاق اختصاصاتها، قد لا تكون لها صلة بالسبب الذى تذرعت من أجله للقيام بهذا الاقتحام، وهى حصانة لا تصادر حق السلطة التنفيذية فى تفتيش مقار هذه النقابات، ولكنها تشترط فقط أن يتم ذلك تحت إشراف قضائى، وبحضور النقيب أو من ينيبه.

أما وقد اتفقت جميع برامج المرشحين فى انتخابات الصحفيين، على أنّ الأوان قد آن لتعديل، أو بمعنى أكثر دقة، تغيير قانون النقابة الحالى لكى يتواكب مع التغيرات الكثيرة التى لحقت بأوضاع المهنة منذ صدوره قبل 47 سنة، فقد أصبح من الضرورى أن يتعهد هؤلاء المرشحون بأن يحافظوا على نص المادة 70 من قانون النقابة الحالى كما هو، على أن تضاف إليه عبارة أو عبارات تحول دون تجدد الخلاف حول تفسيره، بحيث تنص المادة على أنه لا يجوز «بأى وجه» تفتيش مقار النقابة، إلا بحضور وكيل للنائب العام والنقيب أو من ينيبه.

ولأن من بين تداعيات هذا الخلاف حول تفسير المادة 70 من قانون النقابة عودة شعار «نقيب الجسور» و«مجلس الكبارى» وغيرهما من النظريات التى انتهى زمانها، فقد آن الأوان لكى يتذكر الجميع أن نقابة الصحفيين - شأنها فى ذلك شأن كل النقابات - هى إحدى مؤسسات الدولة، وأن عليها أن تلتزم باحترام هذه المؤسسات وأن تتعاون معها لتحقيق مصالح أعضائها والمصالح العامة، ومن حقها بالطبع أن تختلف مع بعضها حول هذه الشؤون، وأن تستخدم كل الأساليب المشروعة التى يبيحها لها الدستور والقانون، للدفاع عن وجهة نظرها، وعما تعتبره مصالح لأعضائها وللمهنة التى تمثل المشتغلين بها ومصالح عامة، وإذا كان من الإنصاف أن نعترف بأن الخلاف حول تفسير المادة 70 من قانون النقابة لم يلق بظله على العلاقة بين الطرفين، ولم يمنع المسؤولين فى كل مؤسسات الدولة من مواصلة التفاوض مع النقابة حول دعم الخدمات والتشريعات المكملة للدستور بشأن الصحافة وغيرها من الملفات المهنية والنقابية المهمة، على الرغم من تقديم النقيب وعضوين بمجلس النقابة إلى القضاء - فإن من واجب الدولة أن تلفت نظر الجميع إلى أنها ليست طرفاً بأى صورة فى الانتخابات الجارية، وليس لها مرشحون بأعينهم لموقع النقيب أو عضوية المجلس، وأنها ستتعامل مع من يختاره الصحفيون بإرادتهم الحرة، وستقدم دعمها للمهنة والعاملين بها لمن يفوز بثقة الناخبين منهم.

أما المهم فهو أن يدرك الناخبون من الصحفيين - الذين تنتمى الأغلبية منهم هذه المرة إلى الأجيال الشابة - أن المهام الملقاة على عاتق النقيب والمجلس القادم تبلغ من التعقيد حداً يتطلب موازنة دقيقة بين ما هو «نقابى» وما هو «مهنى»، وأن يتنبهوا إلى أن زمن الاعتماد على الدولة فى دعم خدمات النقابة، عبر ميزانيتها، لم يعد متاحاً بالقدر الكافى فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد، وأن مجلس النقابة القادم سيكون مطالباً بأن يبحث عن موارد غير تقليدية تمكن النقابة من الوفاء باحتياجاتهم المتزايدة إلى الخدمات فى ظل ما تعانيه المهنة من ركود، وأن للصحافة والإعلام، فى ذمة الحكومة أو مجلس النواب أو كليهما، قانونين مهمين، لا يمكن دون صدورهما استكمال التشريعات التى تنظم المهنة وتفعّل الضمانات الدستورية التى وردت فى دستور 2014 بشأن حريتها واستقلالها، وهو أساس الخروج من المأزق الراهن بكل أبعاده.. هما «قانون تنظيم الصحافة والإعلام» الذى انتهت من إعداده اللجنة الوطنية للتشريعات، ويرقد حالياً فى ثلاجة مجلس النواب، ودون صدور هذا القانون لا جدوى من تشكيل المجالس الثلاثة التى صدر بشأنها قانون التنظيم المؤسسى، لأنها ستطبق القوانين القائمة.. وقانون «إلغاء العقوبات السالبة فى جرائم النشر» الذى يرقد فى ثلاجة وزارة العدل.. فضلاً عن قانون ثالث فى ذمة المجلس القادم لنقابة الصحفيين، هو «مشروع تعديل قانون النقابة».

وهى مهام لا يجوز أن يسمحوا لأحد من المرشحين بأن يتجاهلها فى برنامجه، أو أن يراوغ فى تحديد موقفه منها.

التعليقات