دور الإعلام الخاص

تُعد حرية وسائل الإعلام من بين أهم مكونات الديمقراطية بل ومؤشراً مهماً على ديمقراطية النظام، فباستمرار هناك الحديث عن حرية وسائل الإعلام وعن حرية التعبير. وتُعد وسائل الإعلام أيضاً من بين أهم أدوات الرقابة والمتابعة، كما أنها تُعد مصدراً مهماً من مصادر التنشئة وأيضاً تقديم الحقائق للرأى العام. لا يوجد إعلام حر فى مجتمع لا يتمتع بالحرية، ولا يوجد إعلام حر فى نظام غير ديمقراطى، وبمقدار ديمقراطية النظام تكون حرية وسائل الإعلام، وعادة ما تُستخدم درجة الحرية التى تتمتع بها وسائل الإعلام فى قياس درجة ديمقراطية النظام فى الظروف العادية، أى فى غير الظروف الاستثنائية كحالات الحروب والكوارث وتعرض الأمن القومى للخطر، ففى مثل هذه الظروف والحالات عادة ما تُفرض قيود على حرية وسائل الإعلام دون أن تؤثر هذه القيود على ديمقراطية النظام. هناك نظم تُعد ديمقراطية من حيث توافر القيم الأساسية وثقافة الديمقراطية وكذلك من حيث الآليات المختلفة، ولكن ديمقراطيتها تكون منقوصة نتيجة لاعتبارات تتعلق ببعض القيود بما فيها القيود على وسائل الإعلام فى الظروف العادية. وتُعد إسرائيل نموذجاً للدولة الديمقراطية التى تحتل موقعاً متوسطاً على مقياس الديمقراطية لاعتبارات تتعلق بوجود قيود على بعض مكونات العملية الديمقراطية، فديمقراطية إسرائيل من نوع خاص تعرف بأنها «ديمقراطية دينية عرقية»، فهى ديمقراطية كاملة لليهود من أصول غربية، فهى لا تخص غير اليهود، كما أنها تميز يهود الغرب وتعطيهم مزايا خاصة، ومن هنا نجد عدداً من القيود على وسائل الإعلام الإسرائيلية التى ليس بمقدورها نشر معلومات وبيانات أو أخبار عن قضايا من قبيل الاستيطان اليهودى فى الضفة الغربية، الهجرة اليهودية من الخارج، كل ما يتعلق بعمليات الجيش الإسرائيلى، فإسرائيل تعتبر نفسها فى حالة حرب مستمرة مع العرب والفلسطينيين تحديداً، ومن ثم تفرض قيوداً متنوعة على وسائل الإعلام.

فى الدول غير الديمقراطية عادة ما تحتكر الحكومة وسائل الإعلام من إذاعة وتليفزيون وصحافة، ووفق درجة سلطوية النظام واستبداده تكون السيطرة على وسائل الإعلام، فالنظم المستبدة عادة ما تفرض سيطرتها الكاملة على وسائل الإعلام ولا تسمح بالإعلام الخاص، وكلما تراجعت قبضة النظام على السلطة، تراخت قبضته على وسائل الإعلام وتسمح بظهور الإعلام الخاص، وكلما سار النظام على طريق التحول الديمقراطى تزايدت درجة تحرر الإعلام الحكومى وتطور دور الإعلام الخاص.

مؤكد أننا لم نكمل بناء نظام ديمقراطى حقيقى فى مصر، نحن فى مرحلة انتقالية على طريق التحول الديمقراطى، وهى مرحلة قد تكتمل وتتحول مصر بموجبها إلى دولة ديمقراطية حقيقية أو تتعرض هذه العملية لانتكاسة ومن ثم نعود إلى نقطة الصفر وندور فى حلقة مفرغة، ولأننا فى مرحلة انتقالية فإننا شهدنا حالة من الارتباك فى الإعلام الحكومى، هل نعيد وزارة الإعلام أم نكتفى بالمجلس الوطنى للإعلام؟ هل تحتفظ الدولة بكل هذا الكم من القنوات التليفزيونية والصحف القومية أم يمكن خصخصة جزء منه لتخفيف الأعباء من على كاهل الحكومة والحصول على عائد يمكن توظيفه فى مجالات أخرى؟ هل من المنطقى لدولة من دول العالم الثالث تسير على طريق التحول الديمقراطى أن تمتلك شبكة ضخمة من القنوات ومبنى للإذاعة والتليفزيون يعمل بداخله نحو ٣٥ ألف موظف يتقاضون مرتبات شهرية تصل إلى ٢٣٠ مليون جنيه تُدفع اليوم بالكامل من ميزانية الدولة ومن أموال دافعى الضرائب؟ هل من المنطقى أن توضع القنوات الإقليمية الموجهة لخدمة مناطق جغرافية محددة كمنطقة قناة السويس ومناطق شمال ووسط وجنوب الصعيد على القمر الاصطناعى وتكلف الدولة ملايين الدولارات سنوياً، فى حين أن فلسفة إنشاء هذه القنوات هى تغطية أقاليمها الجغرافية فقط؟

يبدو الارتباك واضحاً أيضاً على رجال الإعلام الذين عملوا فى مرحلة الاستبداد والسلطوية وعايشوا الإعلام الحكومى الموجه والمسيطر وليس بمقدورهم إدراك طبيعة التغيرات التى يمر بها النظام السياسى وبالتبعية دور الإعلام فى المرحلة الجديدة، ويمكن القول إن رجال الإعلام الحكومى يُعدون عقبة كأداء فى مسيرة عملية التحول الديمقراطى، فهم أكثر مقاومة لعملية التحول بما تتضمنه من فقدان للنفوذ والمكانة التى تنبع من مداهنة الحكومة وموالاتها على حساب كل القيم الإنسانية وعلى رأسها قيم الحرية، المهنية والديمقراطية.

ولا يقل إعلام رجال أعمال نظام مبارك ارتباكاً واضطراباً عن الإعلام الحكومى، فهذا الإعلام يعمل لخدمة مصالح أصحاب رأس المال وأجندتهم، ويحددون مواقفهم من التحولات الجارية من منظور ضيق للغاية وهو منظور المصلحة المباشرة، ومن ثم تتسم مواقفهم بالتذبذب الشديد، فتارة يكونون مع النظام وأخرى يلعبون دوراً سلبياً فى حال إدراك أن التحولات تسير على غير هواهم.

المطلوب اليوم تنظيم مجال الإعلام المرئى على نحو يضع قواعد عامة للعمل، وميثاق شرف بين ملاك القنوات يضبط أداء الإعلاميين، مع اهتمام من الدولة برعاية الإعلام الخاص الذى بات يلعب الدور المحورى فى دفع قاطرة التطور باتجاه الديمقراطية والتعددية. ورغم الأخطاء ورغم التجاوزات التى تصدر عن بعض الإعلاميين فإن رعاية الدولة مطلوبة بشدة، والمقصود بالرعاية هنا ضبط هذا المجال وتوفير الحماية السياسية والقانونية للقنوات المصرية فى مواجهة محاولات الهيمنة من قبَل شبكات غير مصرية، مثلما تفعل الدول الأخرى التى تسعى بعض القنوات المنتمية لها إلى الهيمنة على الفضاء الإعلامى المصرى، فالقنوات المصرية الخاصة لعبت دوراً جوهرياً فى تصحيح مسار ثورة الخامس والعشرين من يناير وتفجير ثورة الثلاثين من يونيو والدفاع عن هوية وكينونة الدولة المصرية، واستمرار هذه القنوات فى أداء مهامها بات مسألة أمن قومى مصرى.

التعليقات