الاطمئنان.. والمفاجأة

إحساس الاطمئنان إلى الوضع أو القيمة أو المنصب أحياناً ما يعترى البعض فيؤدى بهم إلى خسائر كثيرة. «الاطمئنان» إلى الظرف إحساس إنسانى، لكنه وليد اللحظة، والحياة لا يُحكم عليها بلحظة من لحظاتها، بل بمجملها، فلحظات الاطمئنان أحياناً ما تعقبها لحظات حبلى بمفاجآت ليس بالضرورة أن تكون فى صالح ذلك «المطمئن». لحظات الاهتزاز التى تعقب لحظة «الإحساس» بالاطمئنان تبدو منطقية ومبررة فى الكثير من الأحوال، فالمطمئن إلى وضعه أو قيمته أو موقعه كثيراً ما يدفعه الاطمئنان إلى الإهمال وعدم الإجادة وسوء الأداء، متكلاً على فكرة أن الحياة تعطيه، وما تعطيه الحياة إلا لأنه يستحق!.. هنالك تحدث المفاجأة.

تستطيع أن تجد وصفاً دقيقاً لثنائية «الاطمئنان.. والمفاجأة» فى آيتين من سورة الكهف، وهما جزء من حكاية «الرجلين» اللذين دخل أحدهما حديقته الغنّاء، فنظر إليها متأملاً، ثم قال: «ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً». جميل وصف «ظالم لنفسه»، فالإنسان المطمئن لا يظلم غيره قدر ما يظلم نفسه، خصوصاً حين يدفعه الاطمئنان للحاضر إلى الإحساس بضمان المستقبل، انطلاقاً من قاعدة أن كل شىء فى الدنيا وفى الآخرة يسير فى اتجاهه، ويخدم غروره، لذا نجد أن صاحب القصة، بعد أن استبعد أن تهلك حديقته، انساق فى غيّه أكثر وأكثر فقال: «وما أظن الساعة قائمة». النتيجة الطبيعية للاطمئنان هى نسيان فكرة «الحساب»، وإذا تذكرها المطمئن الساهى فإنه يتعامل معها بتركيبته الخاصة فيثق أنه فائز فى لحظة الحساب إذا واجهها، وكذلك قال صاحب الحديقة: «ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيراً منها منقلباً».

لو أنك تأملت فصول التاريخ فسوف تجد نماذج متنوعة لأشخاص اطمأنوا إلى أوضاعهم فكانت خسائرهم عارمة. تعال نستعرض أحد هذه النماذج، وهو الخليفة مروان بن الحكم، وهو واحد من أقوى حكام الدولة الأموية، بل يمكنك القول إنه كان واحداً من المؤسسين الأوائل لهذه الدولة مع معاوية بن أبى سفيان. هذا الحاكم القوى انتهت حياته بطريقة تثير العجب، حين خنقته زوجته بوسادة «مخدة»، انتقاماً منه على عبارة سخر بها منها، حين وصفها أمام ابنها «خالد»، الذى أنجبته من زوج لها قبل أن تتزوج «مروان»، بـ«رطبة الإست»!. يحكى «ابن الأثير» الموقف الساذج الذى أودى بحياة الرجل المطمئن قائلاً: «فدخل «خالد» يوماً على «مروان» وعنده جماعة وهو يمشى بين صفين، فقال «مروان»: والله إنك لأحمق!. تعال يا ابن رطبة الإست!. يقصر به -أى يهينه ويسخر منه- ليسقطه من أعين أهل الشام. فرجع «خالد» إلى أمه فأخبرها، فقالت له: لا يعلمن ذلك منك إلا أنا، أنا أكفيكه. فدخل عليها «مروان» فقال لها: هل قال لك «خالد» فىّ شيئاً؟. قالت: لا، إنه أشد لك تعظيماً من أن يقول فيك شيئاً. فصدّقها ومكث أياماً، ثم إن «مروان» نام عندها يوماً، فغطته بوسادة حتى قتلته. وأراد عبدالملك بن مروان قتل أم خالد، فقيل له: يظهر عند الخلق أن امرأة قتلت أباك، فتركها».

 

التعليقات