هل تختار رئاسة الجمهورية رؤساء مجالس إدارات الصحف القومية؟

فى ختام جلسة المحاكاة التى عقدها المؤتمر الوطنى للشباب بالإسماعيلية أمس الأول، طرح مدير الجلسة، على الأستاذ مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، سؤالاً يقول: هل يمكن أن يحل هؤلاء الشباب الذين تدربهم هيئات الدولة العليا، محل الأحزاب السياسية؟.. وهو سؤال تجاهل «مكرم» - أو نسى - الإجابة عنه، بسبب انشغاله بمهمته الأساسية وهى التعليق على وقائع المحاكاة، وحين أعيد عليه السؤال، قدم لإجابته عليه بفذلكة مختصرة، حول الأوضاع الحالية للأحزاب، وظاهرة انصراف الشباب عنها، لينتهى من ذلك إلى إحالة السؤال إلى الرئيس السيسى متمنياً عليه أن يجيب عنه، وأن يحدد المجال الحزبى الذى يستطيع هؤلاء الشباب أن يمارسوا من خلاله العمل السياسى.. وكان لافتاً للنظر، أن الرئيس فى تعليقه على وقائع جلسة المحاكاة، قد تطرق إلى بعض ما أثاره «مكرم»، الذى قد تجاهل - أو نسى - السؤال الذى أحاله إليه.

ولأن السؤال مهم، فقد كنت أنوى أن أدلى بدلوى فى المناقشة، وأن أجتهد فى البحث عن إجابة لهذا السؤال الذى يتجاهل الجميع - أو ينسون - الإجابة عنه، بما فى ذلك الصحف التى غطت وقائع جلسة المحاكاة، ونسيت - أو تجاهلت - ما دار بشأنه، لولا أن إجابات الأستاذ مكرم عن الأسئلة التى وجهتها إليه الزميلة «الوطن» - فى حوار نشرته أمس - بدت لى أكثر إلحاحاً من عدم إجابته عن سؤال منصة مؤتمر الشباب، وأكثر حواره بأن أدلى بدلوى فى شأنها، لأنها تتعلق بمشكلة التضارب فى الاختصاصات بين الكيانات التى تتولى شؤون الصحافة والإعلام التى شكلت أخيراً، طبقاً لقانون «التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام».

مشكلة الخلاف حول الاختصاصات تكمن فى إعلان رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أن المجلس يحل محل وزارة الإعلام، وبالتالى فهو يهيمن على كل شؤون الإعلام والصحافة، وبمقتضى ذلك فإن كلاً من الهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام اللتين ينيط بهما الدستور إدارة شؤون الصحافة القومية، والإعلام المرئى والمسموع والمملوك للدولة، هما هيئتان تابعتان للمجلس تخضعان لرئاسته، ومن سلطته أن يراجع قراراتهما، وأن يشترك معهما فى ممارسة بعض - أو كل - اختصاصاتهما، ومن بينها اختيار رؤساء مجالس إدارات الصحف القومية ورؤساء قطاعات التليفزيون والإذاعة، وهو ما يعترض عليه المسؤولون عن هاتين الهيئتين، الذين يصرون على أن كل كيان من الكيانات الثلاثة، يتمتع بالاستقلال، ليس عن السلطة التنفيذية وحدها، ولكن - كذلك - عن الكيان الآخر.

وعلى عكس ما ذهب إليه الأستاذ «مكرم» - وهو صاحب هذا الرأى - فإنه لا صلة بين المجلس الأعلى للإعلام، ووزارة الإعلام. ليس فقط الوزارة كانت جزءاً من السلطة التنفيذية، بينما المجلس هيئة مستقلة ولكن - كذلك - لأن وزارة الإعلام لم تكن لها صلة قانونية بالصحف المملوكة للدولة، إذ كانت - منذ نشأتها - تتبع الاتحاد القومى ثم الاتحاد الاشتراكى ثم مجلس الشورى، وإذا صح أن من بين الكيانات الثلاثة كياناً يحق له أن يدعى أنه يحل محل وزارة الإعلام فهو الهيئة الوطنية للإعلام، إذ هى الوريث الشرعى لكل ما كانت تملكه وتديره وزارة الإعلام.

وفضلاً عن ذلك فإن اختصاصات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام - كما وردت فى قانون التنظيم المؤسسى - تخلو من أى إشارة إلى أمر له أى صلة إشرافية أو غير إشرافية، على الهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام، والجهتان الوحيدتان اللتان نص القانون على أن تكون له صلة بهما، هما نقابة الصحفيين ونقابة الإعلاميين، اللتان يتوجب على المجلس أن ينسق معهما عند وضع القواعد والمعايير الضابطة للأداء الصحفى والإعلامى والإعلانى، وأجاز له أن يحيل إلى كل منهما البلاغ الذى تلقاه بارتكاب أحد أعضائهما بشأن مخالفة أدبيات المهنة.

ما يدعو للدهشة مما أعلنه الأستاذ «مكرم» فى حواره المنشور أمس، هو تأكيده بأن اجتماعاً عقد قبل أيام، ضمن من سماهم «قيادات» الكيانات الثلاثة مع من وصفهم بأنهم ممثلون لرئاسة الجمهورية، لاختيار رؤساء مجالس إدارة وتحرير الصحف القومية، جرى خلاله الاتفاق على بعض الشخصيات لتولى بعض هذه المناصب، وأن هذه اللجنة سوف تواصل اجتماعاتها، ثم تعلن بالتنسيق مع مؤسسة الرئاسة، أسماء الذين يختارون لهذه المواقع.

ولا أحد يعرف حتى الآن، ما إذا كان الأستاذ كرم جبر، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، قد اشترك فى هذا الاجتماع أم لا.. وإذا كان قد شارك فيه، فما الذى دفعه للتصريح لإحدى القنوات الفضائية بأن الهيئة التى يرأسها، دون غيرها، هى صاحبة الاختصاص باختيار رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء تحرير الصحف القومية، وأنها لاتزال تتحاور حول المعايير التى تختار على أساسها هؤلاء، ولم يستقر رأيها على أى اسم، ولن تفعل ذلك قبل الاستقرار على أسماء المرشحين ثم المفاضلة بينهم. من المسؤول عن إقحام رئاسة الجمهورية فى أمر ليس من اختصاصها، بل مسىء إليها، حين يجعلها طرفاً فى منافسات مهينة بين الذين يتزاحمون على هذه المناصب، ويشكك فى استقلال هذه المجالس، بل فى استقلالية الصحف القومية التى ينص الدستور صراحة على استقلالها، ويؤكد ادعاء المتربصين بالحكم أن الإعلام المصرى يخضع لهيمنة السلطة التنفيذية؟!

ولو أنصف أسيادنا الذين فى الكيانات الثلاثة، لما شغلوا بهذا الصراع المضحك على الاختصاصات، ولتفرغوا لترتيب أولوياتهم ترتيباً صحيحاً، ولتنبهوا إلى أنه لم يبق أمامهم سوى 20 يوماً فقط لكى يبدوا آراءهم فى مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام، ولو أنه صدر، فسوف يجدون فيه الآلية التى تمكنهم من اختيار رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف القومية، من دون أن يكونوا فى حاجة إلى إقحام رئاسة الجمهورية فيما يسىء إليها، وما ليس من شأنها.

** نقلا عن المصري اليوم

التعليقات