«فويلٌ للمصلين».. زيارة جديدة

سورة «الماعون» واحدة من السور القرآنية الكريمة. موضوعها الأساسى حرمان خلق الله من الوصول إلى ما ينفعهم ويقيم حياتهم. يقول «الطبرى»: «معنى قوله تعالى «وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ»، أى يمنعون الناس منافع ما عندهم، وأصل الماعون من كل شىء منفعته، يقال للماء الذى ينزل من السحاب ماعون». وتربط السورة الكريمة بين مسألة حرمان الناس والتكذيب بالدين، أى التكذيب بالآخرة، ورفض فكرة أن الإنسان محاسب أمام الله تعالى يوم القيامة. فمن يكذب بالدين يمنع اليتيم حقه، ولا يطعم المسكين أو يحث على إطعامه. نأتى بعد ذلك إلى الآية الكريمة التى يصح أن نتوقف أمامها وهى آية: «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ». أجمع المفسرون على أن المعنى المقصود بالآية هو تأخير الصلاة عن ميقاتها، أو السهو عن أداء الفريضة والتشاغل بأمور الدنيا عنها حتى يمضى وقتها، كذلك فسر «الطبرى» الآية، وأضاف إليه «ابن كثير» أن أحد جوانب السهو عن الصلاة يعنى عدم الخشوع فيها.

حقيقة الأمر أن التفسير الذى قدمه كل من «الطبرى» و«ابن كثير» لمعنى «السهو عن الصلاة» أقرب إلى التفسير الحرفى للآية، ولا يأخذ فى الاعتبار مسألة التشابك بين المعانى القرآنية. هذا النمط من التفسير لا يأخذ فى الاعتبار السياق القرآنى كأساس للوعى بمعانى آياته الكريمة. وتقديرى -والله أعلم- أن المقصود بقوله تعالى: «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ» لا يعنى هؤلاء الذين ينشغلون عن أداء الصلاة فى ميقاتها، بل هؤلاء الذين لا يوجد للصلاة أثر فى سلوكهم، عندما يبيعون ويشترون، أو يعملون وينتجون، أو يحكمون بين الناس ويحمون حقوقهم. فللصلاة فى الإسلام غاية أساسية تتمثل فى الارتقاء بسلوك الإنسان. يقول الله تعالى: «وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ». وهناك آية أخرى كريمة يصح أن نتوقف أمامها، تقول: «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ». المعانى التى تشتمل عليها الآية الأخيرة تؤشر إلى ما أرمى إليه من أن السهو عن الصلاة يعنى غياب أثرها فى الأداء السلوكى للركع السجود. فقد جعل الله تعالى ذكره أكبر من الصلاة، وذكر الله يعنى استحضاره جل وعلا فى كل المواقف الحياتية، الله تعالى موجود، وسوف يحاسب الإنسان على أعماله، فإن خيراً فجنات الخلد، وإن شراً فنار الجحيم. فما قيمة الصلاة إذا لم تدفع الإنسان إلى تذكر الله فى كل موقف وكل سلوك يسلكه؟.

يساند ما أذهب إليه تأمل الآيات التالية لآية «السهو عن الصلاة»، وهى تحمل النتيجتين المترتبتين على الصلاة الشكلية والأداء المظاهرى والطقوسى للفريضة، الأداء الذى لا يغرس معانى السمو والارتقاء فى السلوك الإنسانى. النتيجة الأولى تتحدد فى الوقوع فى «فخ النفاق» ومراءاة الناس. وأنت تعلم المخاطر التى تترتب على سيطرة هذا السلوك على المجتمعات. النفاق فى مجتمع مثل مجتمعنا يكوينا كياً. أما النتيجة الثانية فتظهر فى ذلك السلوك المشين الذى يدفع الإنسان إلى حرمان غيره. وحاصل جمع كل من النفاق وحرمان الناس وعدم مد يد العون لهم يساوى فساداً مستطيراً!.

 

التعليقات