دولة السلفيين.."القنبلة تحت الجلابية !"

لم تكن جماعة الاخوان في أي وقت منذ انشائها تشكل خطراً حقيقياً على العقل المصري ،  وإنما كانت الجماعة تشكل خطراً دائماً وداهماً على الدولة المصرية (السلطة والهوية) وبالتحديد منذ انتقالها المبكر من مجال الدعوة إلى مجال التخطيط العملي المنظم العلني والسري  (السياسي والعسكري) لاقامة دولة الخلافة الاسلامية!

> والاخوان كانوا مستعدين دائماً للتحالف مع أي طرف يساعدهم - أو يوهمهم بالمساعدة -  لتحقيق حلم إقامة دولتهم .. الانجليز ، الاتراك، الملك ،  ضباط يوليو 1952، الجيش، السادات في السبعينات، مبارك في الثمانيات، أمريكا أوباما ،  ضمن مخطط الشرق الاوسط الجديد وتمكين تيار الاسلام السياسي من  الحكم ، ثم بعد 25 يناير 2011، التحالف مع المجلس العسكري، ثم بعد وصولهم للسلطة  ظهر التحالف مع مثلث قطر – تركيا – اسرائيل!

> الدولة الوحيدة التي لم تتحالف مع الاخوان، أو في الحقيقة لم تأمن لهم في أي وقت ، هي المملكة العربية السعودية التي أدركت مبكراً أن عقيدة الاخوان ضد حكم آل سعود وكانت الجماعة مستعدة دائماً للتآمر ضدهم والتعاون مع أعدائهم.

> ولم تتساهل السعودية مع الاخوان الا لفترة قصيرة نكاية في نظام عبد الناصر، فاستضافت قياداتهم وأغدقت عليهم الأموال والأراضي والعقارات حتى نهاية الثمانيات، لتستخدمهم في النهاية ورقة للمساومة مع نظام الحكم في مصر.

> والأسرة السعودية الحاكمة تعرف أنه مهما اختلفت سياسيا مع مصر فإن المصالح والتحالفات "المؤقتة" ضد العدو المشترك ستكون لها الكلمة العليا في النهاية، إلا .. الاخوان! ، فالرياض تعرف أن حكم الاخوان لمصر يعني أن الحكم في الرياض معرض للخطر، وقد ظهرت بشائر هذا الخطر في فترة حكم مرسي التي شهدت حالة الود والغزل غير العفيف مع طهران العدو اللدود للسعودية.

> على العكس تماما كانت العلاقة بين السعودية والسلفيين !.

> كما لم تكن أنظمة الحكم المختلفة في مصر ترى فيهم خطراً ، وعلى مدى نصف قرن تمددالتيار السلفي في مصر بصورة هائلة عبر مئات الجمعيات وفوق كافة المنابر الدينية والاعلامية، وفي الوقت الذي كانت السعودية تمولهم بسخاء بشتى طرق الدعم والمساعدة سراً وعلناً، كانت الحكومات المتعاقبة في مصر تدعمهم وتقدم لهم التسهيلات وتفتح أمامهم عشرات المنابر لنشر أفكارهم في نجوع مصر وقراها عبر فروع الجمعيات والهيئات السلفية التي أوهمت أجهزة الأمن لفترة طويلة بأنها ذراعها القوي لمواجهة النشاط السياسي للاخوان.

> وسافرت القيادات السلفية للسعودية، واشتغلت هناك لسنوات، ارتبطت بجهات وشخصيات دينية ورسمية، وعادت إلى مصر متخمة بالمال وبالأفكار الوهابية المعادية لتيار الحداثة والتنوير في مصر، وساعدها على ذلك خطيئة السادات الكبرى الذي لعب بورقة الاسلاميين في صراعه مع اليسار والناصريين الذين كانوا يضغطون عليه في قضية تحرير الأرض والعدالة الاجتماعية ورفض الصلح مع اسرائيل وكامب ديفيد.

> ومنذ ذلك الحين .. لم تنتبه السلطة في مصر إلى أن هذا التيار أخطر من الاخوان، وان هذا الفكر شديد التطرف هو الأخطر على مصر وعلى هويتها ومستقبلها وعلى سباقها مع الزمن للحاق بالعصر .

 

>  وكان هذا التيار العلني القوي الغني المسلح بالمال وبدعم السلطة هو أحد مصادر الالهام للجماعات الارهابية، وأحد المنابع الأصيلة لفكرها التكفيري المعادي للمسيحيين ولكل من يختلف معهم ، من الصوفيين للمفكرين ومل دعاة الحداثة في مصر . وكان السلفيون بفتاواهم وخطبهم ومطبوعاتهم المنتشرة على أرصفة مصر من أخطر أسباب انتشار موجة  الكراهية والفتنة في البلاد ، السلفيون هم الأصل ، خرجت من جذورهم الفكرية السلفية الجهادية التكفيرية التي تحمل السلاح ضد الجيش في سيناء، وهم الذين كلما نامت الفتنة توقظها  قياداتهم عبر فتاوى رفض السلام على المسيحيين أو تهنئتهم في أعيادهم أو عدم إعتبار ضحايا الارهاب منهم "شهداء" الخ ..  وأكاد أجزم بأن هذه التصريحات لا يطلقها مشايخهم برهامي أو الحويني أو حسان بالصدفة جزافاً، ولكنها متعمدة ويقصد بها اشاعة حالة من التوتر الديني والطائفي طول الوقت ، ولاحظ متى تنطلق فتاوى ارضاع الكبير وزواج القاصرات وفتاوى احتقار المرأة كل فترة ..

> ألم يتحالف السلفيون مع الاخوان، وشاركوهم الحكم والبرلمان عندما أخلى لهم مكتب الارشاد الساحة لنشر أفكارهم وتشكيل جماعات الأمر بالمعروف والنهي  عن المنكر التي أعطت لنفسها الحق في تطبيق احكام الشريعة وفق مفهومها على الناس ،، فسحلت مواطنا شيعياً، وعلقت المشانق في المحلة ،وقتلت فتاة كانت تسير مع شاب في الاسماعيلية أثناء حكم الاخوان  ، ألم يكونوا هم تحت قبة برلمان الاخوان الذين رفضوا الوقوف للسلام الجمهوري، وعدلوا القسم أثناء حلف اليمين الدستوري، ورفعوا الآذان أثناء الجلسات لتتحول مصر وقتها إلى دولة دينية عنصرية كاملة الأوصاف ؟!

> ورغم كل هذا التاريخ الحافل بالنفاق والتطرف والعمالة، فإنه من الغريب أن تواصل الحكومة مد يدها ليد جاهزة للقتل في أي لحظة، يد تحمل تحت الجلباب قنبلة أشد فتكاً من قنابل داعش وأخطر من عملياتها الانتحارية وسياراتها المفخخة، قنبلة تفجير العقل ونشر الكراهية وتقسيم الامة أخطر من القنبلة  التي ينتهي مفعولها بمجرد انفجارها.

> إن ملف السلفيين في مصر، لضخامته ولشدة خطورته فإن الدولة لا تعرف كيف تتعامل معه، .. من أين تبدأ .. وكيف تواجه هذا الوحش الذي تركته ينمو وينتشر ؟ ، إننا هنا لسنا فقط أمام مشايخ لهم جماهيرية كاسحة ، اتباع ومريدين أو جمعيات معروفة تمارس نشاطها "الديني " بتصريح من الدولة، ولكننا أمام شبكة هائلة تمتد أذرعتها العقائدية والمالية في كل ركن في مصر، بيزنس هائل، كتب ومطابع وصناديق تبرعات، ومشروعات متشابكة مع الدولة أحيانا وعلاقات  على أعلى مستوى. وهذه الشبكة ربما لا تحظى بالدعم الرسمي لأسباب سياسية وأمنية فقط، ولكنها تحظى ايضاً بالدعم والتعاطف المعنوي ، السلطة نفسها سلفية الفكر والهوى وليس هناك في الواقع خلافات  جذرية  بينها وبين التيار السلفي، بدليل أنها لم تقف مع رئيس جامعة القاهرة  في معركته لمنع التمييز بين الطلاب  في الأوراق الرسمية عندما منع  كتابة الديانة في الاوراق ، كما أنها لم تقف مع وزير التربية والتعليم في قراره الذي تراجع عنه سريعاً بإلغاء مادة الدين  واعتماد مادة الأخلاق والمواطنة بدلا منها.

> وعندما نقول أن مصر تحكم من تحت، ..من الشارع والحارة بالأفكار السلفية شديدة التطرف والتخلف، فإننا نقر في الواقع بنصف الحقيقة فقط ، لأنها تحكم من فوق أيضاً بنفس الفكر، .. الحكومة، والحكومات المتعاقبة لم تسأل قيادات الجماعات السلفية يوماً عن الملايين التي تأتيهم لنشر أفكارهم، كما أنها لم تبد اعتراضاً على عشرات الفتاوي التي تهدد الأمن القومي ، ولم توقف نشاط احزابهم التي انشأوها في عهد الاخوان ، كما لم تغلق قنواتهم الفضائية التي تنشر أفكارهم على مدى ٢٤ ساعة .

إن الدولة تكرر مع السلفيين  نفس الخطأ الذي ارتكبته مع جماعة الاخوان ، تترك الوحش حتى يلتهم ذراعها ، ولكن الوحش هذه المرة لا يريد الذراع .. روح وهوية مصر هي الهدف !

نقلًا عن صحيفة المقال

التعليقات