ليس إسلاما وليسوا مسلمين

صورة تسترعى الانتباه.

 

بريطانية فى منتصف العمر تجرى مسرعة وهى تحمل عددا من الحقائب البلاستيكية، بينها حقيبة ضخمة ممتلئة بالهدايا عليها شعار متجر شهير للعب الأطفال.
واحدة من بين عشرات الصور التى نشرتها مواقع الأخبار لتنقل رد فعل أهالى لندن على حريق برج جرنفل ذى الطوابق الخمسة والعشرين.
فمع انتشار أخبار الحريق المدمر تابع البريطانيون تفاصيل عمليات الإنقاذ والأعداد المتزايدة من الضحايا، لكن قلوبهم كانت فى الوقت ذاته مع المتضررين الذين تم إخلاؤهم من البرج والعمائر المحيطة. لم ينس أهل لندن فى خضم المأساة أن مئات البشر وعشرات العائلات سيضطرون للبحث عن مأوى وأن أطفالهم سيكونون فى أشد الحاجة للغذاء والكساء والرعاية.
لم يفكر أحد فى هوية سكان البناية الذى كان أول من عرف من ضحاياها مهاجر سورى عمره 23 عاما، فيما كان أكثر الأخبار التى خرجت منها مأساوية هو قصة المصرية رانيا إبراهيم التى بثت على مواقع التواصل فيديو اللحظات الأخيرة لها وهى تقرأ التشهد بينما تشتعل النيران ويملأ الدخان شقتها فى أحد الطوابق العلوية.

 

لم يسأل أحد عن جنسية المتضررين وعقيدتهم. ولم تبرز الصحف البريطانية فى تقاريرها حقيقة أن غالبية سكان برج جرنفل المخصص للإسكان الاجتماعى، يعودون إلى أصول وأعراق متعددة، وأن كثيرين منهم مسلمون.
تدفق البريطانيون من مختلف أنحاء لندن على المكان يحملون ما استطاعوا حمله من منازلهم وما تمكنوا من شرائه من المتاجر. فى غضون ساعات ملأوا الشوارع المحيطة بالبناية بالهدايا ومستلزمات الإعاشة.
فى وقت لاحق من النهار تطور المشهد إلى أرتال من السيارات حضرت من كل حدب وصوب، محملة بكل ما يمكن أن يحتاجه المتضررون: خبز، خضراوات، معلبات، عصائر، فواكه، ملابس، أغطية، أوعية، أدوات طبخ، أحذية. حتى حفاضات الأطفال ولعبهم لم ينسوها. أطنان من المساعدات وضعت على الأرصفة ليستخدمها أهل المنطقة. امتلأت الكنائس والمساجد والنوادى ومراكز جمع التبرعات حتى فاضت، فتطوعت الأسواق الكبرى بفتح مخازنها من أجل استيعابها.

 

المتاجر، كبيرها وصغيرها، ساهمت فى إرسال المؤن والأغذية. متجر هارودز الشهير أرسل شاحنة مليئة بها، وسلسلة مطاعم بيتزا إكسبرس أعلنت أنها سترسل «المئات والمئات» من فطائر البيتزا إلى واحد من مراكز الرعاية المعتمدة فى المنطقة، أما النجم التليفزيونى والطباخ الشهير جيمى أوليفر ففتح أقرب مطاعمه للبناية لخدمة المتضررين ونشر اسم مدير المطعم عبر حسابه فى تويتر حتى يمكن طلب مساعدته مباشرة وبشكل شخصى.
صعود اليمين المتطرف وازدياد المد العنصرى لا ينفى حقيقة أن أوروبا لا تزال إنسانية وأن أية مظاهر للعدوانية ضد المهاجرين أو المسلمين أو الأجانب هى الاستثناء الذى لا ينفى الصورة العامة لهذا المجتمع الإنسانى التكافلى متعدد الأعراق والعقائد، والذى يعتمد فى مدارسه ومعاهده ووسائل إعلامه خطابا ينبذ التطرف والإقصاء والكراهية ويشجع على احترام التعددية والاختلاف.
لا تكتمل القصة هنا دون الإشارة إلى بعض ردود الفعل على الحادث فى عالمنا العربى. هى بالطبع منتقاه ولا يمكن الادعاء بأنها ترسم صورة كاملة. لكنها وبالتأكيد تمثل جانبا مهما منها أبعد عن أن يكون شاذا أو نادرا أو خارجا على نمط للتفكير منتشر بين الكثيرين.

 

مع أخبار الحريق الأولى ظهرت فى وسائل التواصل تعليقات مبتهجة «بالانتقام الإلهى من بلاد الكفر جزاء ما فعلوه بالعرب والمسلمين».
وعندما تبين أن كثيرا من ضحايا الحريق من المسلمين انتشرت دعوة تطالب باستعادة جثامينهم «حتى لا يدفنوا فى بلاد المشركين».
وبعد انتشار أخبار التضامن الإنسانى المدهش والمثير للإعجاب فى مختلف طبقات المجتمع البريطانى كان التعليق اللافت للنظر، والذى تكرر نشره مصحوبا بعدد لا بأس به من القلوب الملونة هو: «إنه إسلام بلا مسلمين».
لدى المجتمعات المفتوحة التى تقبل التعددية فضائل كثيرة. فهل نتعلمها منهم دون انتحال أو ادعاء؟
ولدينا مشكلة فى قبولنا لأى آخر.. فهل نعترف بها دون إنكار أو تحايل؟

 

التعليقات