احنا الغلطانين يا حكومة!

(1)

البروباجندا يجب أن تكون شعبية وسهلة الاستيعاب ليفهمها الأغبياء.. هكذا قال هتلر الزعيم النازي الذي حقق شعبية جارفة أدت بألمانيا والعالم إلى الهلاك، بينما زاد وزير إعلامه جوبلز فقال إن نجاح البروباجندا يعتمد على تصريحات مقتضبة لكنها متكررة، كأنه يستدعي نصائح جداتنا العجائز: الزن على الودان أكثر من السحر.

(2)

لدينا مسؤولون يتبعون نصائح هتلر وجوبلز، فيؤكدون بلا منطق ولا خجل أن زيادة الأسعار والأعباء «تصب في مصلحة المواطن»، ويشكرون الرئيس لأنه خاطر بشعبيته، ليحقق الإصلاح الجريء بشجاعة، وقد تكررت هذه التصريحات بصياغات مختلفة في وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، لتحقق نصيحة جوبلز في «الزن على الودان» ومخاطبة العاطفة وليس العقل، ولا مانع من وجود تصريحات «تصب في مصلحة المواطن» تساعد على امتصاص غضبه دون توجيه الاتهام لمن فعلها، وتصريحات الحنية تكتمل بتصريحات الهجوم على المواطنين ولا تتناقض معها، وهو ما يذكرني بتيمة شهيرة في الأفلام الأمريكية اسمها «لعبة الضابط الطيب والضابط الشرير»، حيث يتعامل الشرطي مع المتهم المطلوب انتزاع اعترافات منه بعنف شديد، وفجأة يدخل الضابط الطيب، ويظهر قدرا من الرحمة والتعامل بإنسانية، لكنه في النهاية يطلب منه نفس الشيء ولكن بلغة حنونة (أنا عايز مصلحتك... اعترف).

(3)

هكذا تعاملت الحكومة كالضابط الشرير، وتعامل الإعلام كالضابط الطيب، إذ تخرج علينا مذيع أو مذيعة (من اللي بالى بالك) متسائلا: القرارات صعبة والأسعار زادت.. لكن البلد هتعمل إيه؟.. مفيش موارد والسعر العالمي ...وثورة يناير الله يحرقها!!، وبعدين شوفوا لتر البنزين في فرنسا بكام؟، وفي النهاية يختتم المذيع اللامع كل فقرة من كلامه مذكرا الشعب بأن مصر مهما زادت الأسعار فيها، حالها أحسن من سوريا وليبيا والعراق وضيف عليهم من عندي اليمن.

المطلوب منا أن نقبل فشل الحكومة في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتقليص حرياتنا!، وأن نردد في السر والعلن: احنا الغلطانين وكتر خير الذي قبل أن يحكمنا، ويشيل الشيلة بعد أن صارت الدولة «خرابة» طوال 30 – 40- 70 سنة.

(4)

حكومتنا الرشيدة، تعرف جوبلز ولا تعترف بكونفوشيوس الذي يقول: «على المسؤول أن يفعل ما يطالب به الناس، ويطالب الناس بما يفعله»، فالمسؤولون في بلدنا يطالبوننا بالتقشف، بينما لا يفعلون ذلك، وإذا تأملنا مثلا حملة «طلعت حرب راجع» التي أنفق عليها بنك مصر بسخاء (وهو بنك قطاع عام)، بغرض تحفيز الشباب لتأسيس مشروعات صغيرة ومتوسطة، علينا أن نسأل: كيف يمكن أن تنجح مثل هذه الحملة الإعلانية في بلد لا يشجع الاستثمار المنتج، فمنذ تولي السيسي الحكم ركزت الدولة استثماراتها في قطاع العقارات وشق الطرق، وبالرجوع إلى أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن 10 ملايين وحدة سكنية شاغرة على مستوى الجمهورية، ورغم ذلك يستمر الرئيس في بناء الشقق، وكنا ننتظر أن يقول سأبني مصانع، وأعيد تشغيل المصانع التي توقفت، مع التركيز على صناعات كانت مصر رائدة فيها مثل المنسوجات، وتجميع السيارات التي سبقت مصر فيها كوريا الجنوبية وغيرها، فهذا هو الطريق الذي يجب أن تسير فيه مصر، لكن للأسف انشغل السيسي بمنتجع الجلالة والعاصمة الإدارية، ولم نسمع عن اهتمامه بصناعة سيارة مصرية 100% أو الوصول للاكتفاء الذاتي في صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة وتصدير الفائض إلى الخارج، وهكذا فإن «عودة طلعت حرب» لم تكسب الاحترام بل سخرية الشعب، لأن فارس الاقتصاد الوطني القديم كان يؤمن باستقلالية الاقتصاد المصري والمفهوم الوطني لمنجزاته ويتصور أن البناء عقل ورؤية قبل أن يكون منشآت من حجر وزلط.

(5)

المسؤولون عندنا قريبون من مكيافيللي، لكنهم لا يقرأون منه إلا الجزء البغيض، أما الجزء المكمل فلا يلتفتون إليه، فصاحب نصائح «الأمير» قال أيضا: من أراد أن يطاع فعليه أن يعرف كيف يأمر؟

فهل تقرأون التاريخ ؟!.

التعليقات