بحب السيما!

تقول القصة إن صديقين دخلا السينما سويا. قرر أحدهما أن يدخل رهانا مع الآخر فقال له: هل ترى الجالس المستكين فى الصف الأول؟ كم تدفع لى لو صفعته؟ اتفق الاثنان على قيمة الرهان وتسلل صاحب الفكرة إلى مقدمة السينما للتنفيذ. انهال بصفعة حادة على مؤخرة رأس الجالس الذى التفت له غاضبا فيما انسالت العبارات الصاخبة المستنكرة من فم الضارب المعتدى: أهكذا يا محمود؟ ألم نتفق على أن نلتقى فى الخارج؟! يالك من صديق متعب!! أضيع نصف ساعة فى البحث عنك بينما تجلس أنت هنا غير آبه بما سببته لى من قلق!!
صرخ المضروب قائلا: أنا لست محمود. صمت الضارب هنيهة ثم قال فى دهشة صادقة: ياللهول!! اعتذر. لقد ظننتك هو بالفعل. السينما مظلمة ومن الخلف تبدو كما لو كنت هو. ثم انسحب للخلف وهو يغالب الابتسام ليحصل من صديقه على رهانه المستحق.
بعد هنيهة سأل الرجل صديقه: ما رأيك فى أن أصفعه ثانية على أن نضاعف قيمة الرهان؟ رد الثانى بأن هذا من رابع المستحيلات فاتفقا. نهض الرجل وصفع الجالس ثانية وهو يصرخ: أتظن أنك تخدعنى يا محمود؟! تنكر نفسك؟! لم تفعل هذا بالله عليك؟! أما زلت تحب تلك الألاعيب؟! التفت المضروب حانقا فتبدلت نظرة الضارب إلى دهشة حقيقية، وتغيرت نبرته الغاضبة بحدة: يا إلهى!! لا تقل إنك لست هو. هذا أمر لا يصدق. صرخ المضروب فى غضب: أقسم لك أننى لست صديقك. لا أعرفك ولا أعرف من هو محمود الذى تسبب لى فى كل هذا الأذى. رد الضارب فى عجب صادق وهو يتراجع: لن تتخيل كم تشبهه. أنت برهان على قدرة الخالق العظيم. فولة وانقسمت نصفين. يا له من شبه!! هذا أمر لا يصدق!!
عاد المعتدى لرفيقه وحصل قيمة رهانه، ثم قال: ما رأيك لو كررتها ثالثة وصفعته مرتين وليس حتى واحدة؟ هتف الرفيق قائلا: من عاشر المستحيلات ألا يطبق فى عنقك لو فعلتها هذه المرة. أشك حتى أن الغضب قد يدفعه لمحاولة قتلك.
كان المضروب قد نهض من مكانه منزعجا واستقر على مقعد منزو فى الطرف الآخر من القاعة بعيدا عن مصدر الأذى. عاجله الرجل بصفعتين سريعتين وهو يصرخ: ما بالك يا محمود؟! لم تجلس فى هذه البقعة المظلمة طوال الوقت، فيما أنا أبحث عنك حسب اتفاقنا؟! يالك من شرير! تسببت لى فى حرج بالغ مع رجل يشبهك تمام الشبه يجلس فى الطرف الآخر من السينما، صفعته مرتين ظنا منى بأنك هو، بينما تجلس أنت هنا دون أن تأبه بشىء!
القصة رمزية على الأرجح ودلالتها غير مقطوع بها. كما أن فك رموزها يكتنفه قدر من التضارب. هناك من يرى أن المضروب شعب يتلقى صفعات الإهمال والارتجال والغلاء والفساد. بعد كل ضربة يقولون له فى انتظارك غد مشرق.
لا يأتى الغد، ولا تطلع شمس، ولا يخرج الوطن من عنق زجاجة جعلوه لا نهائيا وممتدا، ولكن المضروب لا يمل من تلقى الصفعات.
لا يمكن القطع بتفسير بعينه لهذه القصص الرمزية. سيظل الغموض يلفها لأننا لن نعرف من كتبها فى الأصل، ولن نتمكن من معرفة مقصده من ابتكارها.
يمكن القول أيضا بأنه لا أهمية على الإطلاق لحصولنا على تفسير من أى نوع لحكاية كهذه. خاصة وأن الصفعات مستمرة بوتيرة متزايدة، كما أن المضروب صار قانعا بنصيبه منها.

 

التعليقات