شوية حرية .. اللي يراهن على الشعب .. يكسب !

" الذي لا يرى من الغربال أعمى.."، والذي لا يريد أن يقتنع بأن أصابع قطر ومن معها خلف سلسلة العمليات الاجرامية المتزامنة التي وقعت من رفح إلى قنا إلى العريش في الايام الاخيرة ، فهو عين الغباء والعداء للبلد! . وكشفت كتائب الاخوان الالكترونية التي ملأت السوشيال ميديا شماتة في الجيش المصري بعد عملية رفح الدموية عن درجات من الخسة والخيانة ليس لها مثيل . ولكن ،  المهم أنه في عمق الأزمة ووسط الاحساس بالفجيعة على شباب مصر الأبطال الذين دفعوا من أرواحهم ثمن الدفاع عن بلدهم في مواجهة موجة إرهابية عاتية، اننا اكتشفنا معدن المصريين النفيس الذي يلمع ويسع في المحن:
-    يفرق المصريون، مثقفون وأميون بين نقد السلطة والهجوم على سياساتها، وبين حب جيشهم وبلدهم واستعدادهم للتضحية بكل شئ دفاعاً عنها. وبدا ذلك في الكم الهائل من الكتابات والتعليقات والمواقف المساندة لأبناءنا الأبطال في الصف الأول لحرب الارهاب.
-    مصر كلها عاشت في حالة حداد وحزن على شهداءها، لم يظهر صوت أو يكتب قلم عن أزمة داخلية، إقتصادية أو اجتماعية، هدأت الشكوى من اشتعال أسعار السلع والبنزين والكهرباء، وخفتت نبرة الهجوم الحاد على الحكومة، وطغت على أحاديث المصريين مشاعر الغضب والرغبة في الثأر. هذه هي روح مصر التي يتحدثون عنها في كتب التاريخ والتي اكتشفها من زمان المستشرقون وعلماء التاريخ ، هذه هي إذن لحظة التوحد العجيبة التي ظهرت بعد هزيمة 67 القاسية، وعند العبور العظيم في أكتوبر، وفي الـ 18 يوم المجيدة من يناير 2011، وعند طرد الفاشية الاخوانية من حكم مصر!
هذه هي اللحظة السحرية التي لا يعرف سرها إلا من عرف جوهر المصريين ، ففي قلب المحنة يظهر فجأة شعب آخر غيرالذي تراه في الميكروباص!
-    أما أكثر ما طمأنني في غمرة الحزن والألم، هو ذكاء المصريين الفطري. فإذا كنا نتهم الحكومة أحياناً بالغباء ،فإن الشعب على العكس تماماً ذكي ولمّاح وقادر على الفرز بين العدو الغريب والعدو القريب ( انا واخويا على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب ) ، انها حالة مصرية خاصة وخالصة ، وعندها  فقط تستطيع أن تدرك أي سلطة متى تراهن على الشعب . إنها مصر لحظة الصدق والمكاشفة.. لحظة الوعي بالخطر!
ولعل من أكثر التعليقات التي تلفت الانتباه بعد مواجهة رفح الأخيرة ومن بعدها سلسلة المواجهات في قنا والعريش والاسماعيلية، إدراك المصريين أنهم في حرب حقيقية وطويلة، وأنه ليس هناك مجال للتقليل من مخاطرها واحتمالات توسعها.
واستحوذ النظام القطري على الحزمة الأكبر من الاتهامات والتأكيدات بأنه دفع بعصاباته للهجوم على الجيش ورجال الشرطة انتقاماً من الحصار السياسي الذي تقوده مصر ضده، كما ظهر في خلفية الحدث أيضاً حماس واسرائيل ، وتعددت علامات الاستفهام حول اتفاق التهدئة والتفاهم الأخير بين حماس ومصر، وبين العمليات التي مازالت تنطلق عبر الانفاق والقادمة من غزة حيث تختبئ هناك قيادات عصابات بيت المقدس وجبهة النصرة ، وفي الوقت نفسه كانت اسرائيل في قلب دائرة الاتهام، فهل تل ابيب لم تكن لديها أي معلومات حول هجوم رفح بينما طائراتها وأجهزة استطلاعها تمسح الحدود مع مصر ليل نهار؟!
أما ما استوقفني في تعليقات المصريين وسط الأحداث المتلاحقة فقد كان سؤالاً استنكارياً حول موقف السعودية التي تشن هذه الأيام حملة ضارية ضد قطر بسبب دعمها للارهاب .. فهل لم تكن الرياض تعلم أن النظام القطري هو الممول والراعي الأكبر للارهاب في المنطقة منذ سنوات طويلة؟! وهل السعودية اكتشفت فجأة كل هذه الحقائق عن الدور القطري فيما يسمى باشعال انتفاضات الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا ، ودعم الاخوان للوصول إلى السلطة في هذه البلاد بالتحالف مع تركيا وفي إطار مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي وضعته كوندوليزا رايس وتبنته إدارة باراك أوباما لمساعدة ما يسمى بالاسلام السياسي المعتدل  لتولي السلطة في العواصم الرئيسية بالمنطقة؟!..
هل السعودية التي فتحت أجهزة اعلامها النار هذه الأيام  وكشفت عن كل الملفات المسكوت عنها حول الدور القطري لم تكن تعلم أن حكام إمارة قطر يتآمرون على مصر منذ أيام مبارك، ومع ذلك كانوا طوال هذا الوقت سمناً على عسل، وكانت مصر تدفع ثمن التواطؤ عليها؟!
ان تيار الوعي وموجة المكاشفة والصدق مع النفس والنباهة المصرية التي تفرز عند الخطر بين الأصدقاء والأعداء، هي أعظم ما ظهر في الأيام الأخيرة وسط دموع المصريين وحزنهم على شهدائهم الذين يخوضون أشرف معركة ضد هكسوس العصر الحديث وعلى مر التاريخ كان الحاكم الذكي هو من يستطيع أن يفك شفرة هذا الشعب العظيم!.

التعليقات