شوقى جلال: المثقف الموسوعى

«المثقف الموسوعي»؛ هو الوصف الذى يمكن أن نطلقه على مبدع مصرى معاصر هو الأستاذ شوقى جلال (١٩٣١- أمد الله فى عمره). والموسوعية (الإنسيكلوبيدية) هى تعبير أطلق على جماعة من المثقفين الفرنسيين من: فلاسفة وعلماء القرن الـ ١٨ الذين انكبوا على وضع مرجع علمى شامل فى مختلف العلوم والفنون والآداب. وكان هدفهم من وضع هذه الموسوعة- بحسب لويس عوض- «هو إشاعة التنوير بوجه عام وتصفية معارف معاصريهم من الخزعبلات...، وتدريب الناس على المنهج العلمى والعقلى فى التفكير والمعرفة». وكان نجمها البارز «ديدرو»(١٧١٣- ١٧٨٤)، بالإضافة إلى «فولتير، وروسو، وهولباخ، وهلفتيوس، ودالامبير، وكوندياك، وغيرهم». ومع مرور الوقت انفض البعض عنه نهائيا، والبعض الآخر تركه لفترة وعادوا لاحقا. ولكن ظل «ديدرو» وحده «عصبها الحى»- بحسب لويس عوض- فلقد ظل يجاهد حتى أنجز ما يعرف بـ«الإنسيكلوبيديا» أو القاموس التحليلى للعلوم والفنون والصناعات، وهو العمل الذى اهتزت له الأوساط الفكرية والعلمية...

(٢)

ديدرو وموسوعته، هو ما ألح علىّ عندما نويت أن أكتب عن «شوقى جلال». فالمراجع لحصيلة كتاباته المؤلفة والمترجمة، ما يقرب من ٢٥ عملا مؤلفا و٥٠ ترجمة، سوف يلحظ كيف تعددت وتنوعت اجتهادات شوقى جلال. كذلك مواكبته لجديد أفكار الحقول المعرفية المختلفة: الفلسفة، والحضارة، والتنمية، والسياسة، والفكر وفلسفته وقضاياه المعاصرة، والثقافة، العلم فلسفته وتاريخه وثوراته، الجغرافيا السياسية، وعلم الاجتماع، والمستقبليات، والعولمة،... إلخ. ما يؤهله للفوز بلقب «المثقف الموسوعى». أخذا فى الاعتبار أن ما أنجزه كان من المفترض أن تقوم به مؤسسات فى إطار جماعى. إلا أنه تصدى وحده بوعى تام لبناء صرح معرفى: تأليفا وترجمة، كى ينهل منها العقل المصرى والعربى فى شتى المجالات...أى أنه سار بأمانة على درب جدنا «الطهطاوى» رائد النهضة المصرية الحديثة...

(٣)

تميز هذا الصرح المعرفى: بموسوعيته، وتكامله المعرفى، وبحداثته، وأصالته. وهو ما تعكسه الكتب التى قام بترجمتها وتأليفها. بالنسبة لترجمات شوقى جلال نذكر على سبيل المثال لا الحصر: الشرق يصعد ثانية لأندريه جوندر فرانك، وتشكيل العقل الحديث لكرين رينتون، وبنية الثورات العلمية لتوماس كون، بعيدا عن اليسار واليمين: مستقبل السياسات الراديكالية لأنتونى جيدنز، والتنمية حرية: مؤسسات حرة وإنسان متحرر من الجهل والمرض والفقر لأمارتيا سِن، أفريقيا فى عصر التحول الاجتماعى، والعالم بعد مائتى عام، ولماذا ينفرد الإنسان بالثقافة، والتراث المسروق: الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة، والصدام داخل الحضارات: التفاهم بشأن الصراعات الثقافية، والآلة قوة وسلطة: التكنولوجيا والإنسان منذ القرن ١٧ حتى الوقت الحاضر لبوكانان، والتنين الأكبر: الصين فى القرن الـ٢١، والفيل والتنين: صعود الهند والصين ودلالة ذلك لنا جميعا، وكامى وسارتر، ولماذا العلم، وتاريخ العلم: ١٥٤٣- ٢٠٠١ لجون جريبين، والانتخاب الثقافى، الثقافات وقيم التقدم لهانتينجتون، بافلوف وفلرويد،... إلخ... أظن أن قراءة العناوين السابقة تؤكد الملمح الموسوعى للتناول الثقافى لشوقى جلال. كذلك التكامل المعرفى فى ترجمة موضوعات متنوعة لمؤلفين معتبرين ما زال بعضهم مؤثرا فى الأكاديميا والفكر المعاصر.. ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى ترجمته الأكثر من رائعة لرواية نيكوس كازانتازاكيس «المسيح يصلب من جديد» فاتحا أفقا لترجمة إبداعات أدبية غير المتعارف عليها.

(٤)

لذا تأتى مؤلفاته «طازجة»، فقدرته على استيعاب الفكر المعاصر مكنته أن يعالج القضايا الفكرية المثارة فى واقعنا بلغة حداثية وتناول مبدع ونشير هنا إلى: المجتمع المدنى وثقافة الإصلاح، والتراث والتاريخ، ومن وحى الشرق، والعولمة: الهوية والمسار، والفكر العربى وسوسيولوجيا الفشل،...،إلخ.. إبداعات «شوقى جلال» تقول إننا أمام «مثقف موسوعى» بامتياز. جعل من حياته ووجوده الإنسانى حالة إبداعية مستمرة... 

التعليقات