كلامك.. وأمورك!

يقولون إنه ليس قرآناً.. وهذا حقيقى لكنه وثيقة تقدست بإرادة شعبية.. عن الدستور أتحدث. أغلب من يتحدثون عن تعديل الدستور، خصوصاً فيما يتعلق بمد فترة الرئاسة إلى 6 سنوات بدلاً من 4 يقولون إن الدستور ليس نصاً قرآنياً، وإن بإمكان يد البشر أن تعدل فى مواده، كلما شاءت. بلغة الأرقام وبلغة العقل وبلغة السياسة يحمل الدستور الحالى نوعاً من القداسة الخاصة التى تمنع من النظر إليه بعين التعديل، بعد مرور 3 سنوات فقط على موافقة الشعب عليه.

بلغة الأرقام شارك فى انتخابات مجلس النواب ما يزيد قليلاً على 15 مليون مصرى، بنسبة لا تزيد على 28.3% من إجمالى عدد الناخبين فى مصر، فى حين بلغت نسبة المشاركة فى الاستفتاء على دستور 2014 (38.6%) من إجمالى الناخبين، ووافق عليه المصريون بنسبة 98.1%. الأرقام تقول إن نسبة مَن أيّدوا الدستور فى مصر أكبر بكثير من نسبة من أيّدوا مجلس النواب الذى يدبر بعض أعضائه حالياً لتعديله، بعض من هؤلاء الأعضاء لم يشارك فى الإتيان بهم إلى مجلس النواب أكثر من 16% من إجمالى عدد الناخبين داخل دوائرهم، وهم يريدون الآن تعديل الدستور الذى زرعهم تحت قبة المجلس الموقر. وصدق المصرى الفصيح الذى قال «أزرعه يقلعنى»!.

بلغة العقل تبدو دعوة «النواب» إلى تعديل الدستور مفتقرة إلى أى نوع من المنطق، يكفى فى هذا السياق أن نسترجع حجتهم المدهشة التى يقولون فيها إنهم يريدون مد فترة الرئاسة لست سنوات ليوفروا على البلاد والعباد تكلفة الانتخابات التى تصل إلى 2 مليار جنيه، فى وقت تعانى فيه الموازنة العامة من نسبة عجز محسوس. لست أدرى كيف غاب عن بال هؤلاء العباقرة أن الاستفتاء على تعديلاتهم الموقرة سوف يتكلف هذا المبلغ أيضاً؟ كلام عجيب يفتقر إلى أى عقل أو منطق، ويشهد تناقضه على تهافته. وصدق المصرى الفصيح الذى قال: «يكاد المريب يقول خذونى»!.

بلغة السياسة تفتقر دعوة بعض النواب لإجراء تعديلات دستورية إلى أية وجاهة سياسية. انتخابات 2018 تكاد تكون نتيجتها محسومة من الآن، والأغلب أنها ستأتى تكراراً لمشهد انتخابات 2014، باستثناء نسبة المشاركة، فمن غير المتوقع أن تكون كبيرة. حتى الآن لا يوجد سوى الرئيس «السيسى» مرشحاً محتملاً لها، ولم يظهر له أى منافس، اللهم إلا بعض الأسماء التى تثير الرثاء. الفترة المتبقية على إجراء الانتخابات القادمة تزيد قليلاً على ستة أشهر، ولن تمنح أحداً فرصة للوجود، اللهم إلا الأشخاص الذين يلعبون فى نسبة الـ1% والـ2%. والسؤال طالما كان ذلك كذلك، وكانت نتيجة الانتخابات القادمة محسومة من اليوم، وكان غرض هؤلاء النواب التعبير عن تمسكهم بالرئيس، فلماذا يسيئون إليه بهذه الطريقة وكأن نتيجة الانتخابات القادمة غير مضمونة أو معلومة بالضرورة؟ على أصحاب هذه الدعوات أن يراجعوا حسّهم السياسى، فقد يدركون أنهم يسيئون من حيث أرادوا الإحسان، وأن مثلهم يصدق عليه ما قاله المصرى الفصيح: «أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب»!.
 

التعليقات