مصر ليست تونس !!

عشنا كمصريين مئات السنين في هذه المنطقة ونحن ننظر إلى أنفسنا بفخر فرعوني معتقدين أننا "أحسن ناس"، وكلما شاهدنا الكوارث في أي بلد حولنا نردد بكل فخر "مصر مش العراق.. مش سوريا.. إلخ"، وفي السنوات الأخيرة خاصة بعد يناير 2011، انتشر تعبير "مصر ليست تونس" وذلك على أساس أن التجربة المصرية مميزة ومختلفة ومحصلتش!!، ولكننا بكل أسف اكتشفنا بعد التطورات الدستورية والاجتماعية الشجاعة التي حدثت في تونس مؤخراً .. أن مصر فعلا .. ليست تونس!
مصر بعيدة تماماً..!
مصر تراجعت تماماً..!
مصر ليست تونس، وليست تشبه أي بلد آخر يقاوم الجهل والتخلف الحضاري والانساني. مصر لا تشبه الآن غير مصر المشغولة بفتاوى مضاجعة الموتى والبهايم والتي تنشر أكشاك الفتاوى "الدليفري" في محطات المترو!
إن تونس استطاعت بعد نضال حقيقي وثورة وانتخابات أن تنتصر على القوى الرجعية وعلى تجار الدين والاسلام السياسي وفهمت تونس اخيراً أهم مبدأ لنهضة وتقدم الدول، وهو فصل الدين عن الدولة ومنع هيمنة رجال الدين على السياسة ووقف تدخلهم في أدق تفاصيل حياة الناس.
تونس استبدلت رجل الدين بسلطة الدستور والقانون الذي يسري على الجميع ويحقق المساواة بين المواطنين أيا كان جنسهم أو دينهم أو عقيدتهم.
تونس استبدلت الطائفية والمذهبية بملامح الدولة الانسانية العلمانية. قررت مساواة الرجل بالمرأة فعلاً لا قولاً، في الميراث وفي حرية اختيار شريك الحياة أياً كانت ديانته.
تونس احترمت مواطنيها بلا تمييز.
ولهذا.. فإن مصر ليست تونس!
مصر بعد نضال طويل من بدايات القرن الماضي، قاسم أمين وهدى شعراوي وسلامة موسى والأزهري العظيم طه حسين، وبعد 3 ثورات من يوليو 52 ويناير 2011 و30 يونيو 2013 ضد التخلف والجهل والفاشية الدينية، مازالت المرأة فيها تعاني من قهر الرجل وحرمانها من الميراث، ومازال رجل الدين يتحكم في كل شئ من السياسة للاقتصاد وحتى دخولك الحمام ونومك مع مراتك!.
المرأة المصرية لا تستطيع أن تتزوج رجلا تحبه إلا إذا تخلى عن ديانته، وفي حين يستطيع الرجل المصري المسلم أن يفرش حصير، في أي ميدان ليصلي ويعطل المرور، لا يستطيع المصري المسيحي الصلاة إلا بتصريح!
وإذا كانت تونس بقوانينها ودستورها الذي يساوي بين مواطنيها دولة مدنية، فإن مصر ليست تونس لأنها بقوانينها ودستورها وتعليمها وثقافتها الحالية.. دولة دينية!
نعم.. مصر دولة دينية، ولا يمكن أن تنطبق عليها معايير دولة المواطنة المدنية ،  والحكومة في مصر تكرس الملامح الدينية لكل أشكال الحياة ولا تجرؤ على رفض ممارسات التمييز التي تكرسها المؤسسات الدينية الرسمية. وعندما كنا نقول بأن مصر يجب أن تتحول إلى دولة مدنية علمانية كان يهاجمنا الاخوان واستطاعوا خلال فترة حكمهم السوداء أن يشوهوا المعاني الانسانية النبيلة للعلمانية ويتهموا كل من ينادي بها بالكفر، مع أن كل الدول المتقدمة المتحضرة علمانية، فهل شعوبها كافرة؟،.. هل المواطن الفرنسي أو الألماني أو الايطالي كافر؟! والغريب أننا سمعنا في مصر من يتهم تونس نفسها بالكفر لأنها تجرأت وطبقت القانون الانساني العادي على شعبها، وتركت لكل إنسان حرية الاختيار!
إن العالم يتحرك من حولنا، حتى جيراننا يتحركون ويتقدمون ويحطمون أصنامهم، ونحن نرفض أن نتعلم من أحد أو نتشبه بمن تجاوزونا، وأخشى أن يأتي يوم نتمنى فيه نحن أن نشبه الهنود الحمر!!
التعليقات