طرف الخيط الذى يبحث عنه رئيس مجلس النواب

بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الثالثة، فى النصف الثانى من هذا الأسبوع، وفى محاولة لتبييض وجه مجلس النواب، نشرت جريدة «الأهرام»، أمس، أول حوار تجريه صحيفة مصرية، مع رئيس المجلس «د. على عبدالعال» لعل إجاباته، على ما وجهته له «الأهرام» من أسئلة، تساهم فى تبديد الغبار الكثير الذى يحول بين الرأى العام، وبين التنبيه إلى المجهود العظيم الذى يتوهم رئيس المجلس وأعضاؤه الميامين أنهم يبذلونه، تنفيذا لقسمهم بأن يحافظوا مخلصين على النظام الجمهورى، وأن يحترموا الدستور والقانون، وأن يرعوا مصالح الشعب رعاية كاملة، ويحافظوا على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه.

من بين الأخبار السارة، التى حرص رئيس مجلس النواب على أن يضمنها، إجاباته على أسئلة «الأهرام»، إعلانه بأن الدورة البرلمانية المقبلة- التى تبدأ يوم الثلاثاء القادم - سوف تشهد إنجاز العديد من التشريعات التى لم يتمكن المجلس الموقر من نظرها حلال الدورة السابقة، يأتى على رأسها- مثلاً - قوانين منح العاملين بالدولة عدداً من العلاوات الاستثنائية، لمواجهة الغلاء وزيادة الأسعار، وكذا زيادة المعاشات والتأمين الصحى لطلاب المدارس. وهى إنجازات لن تحول دون ارتفاع سقف توقعات المواطنين بالتوصل إلى حلول سريعة للأزمة الاقتصادية، ولن تزيل كل العقبات التى تحول دون التصدى لهذه الأزمة.

المشكلة التى يعانى منها مجلس النواب خلال الدورتين البرلمانيتين السابقتين، هى أنه خلط بين دوره كسلطة للرقابة والتشريع وبين أداء الأغلبية من أعضائه، التى يتكون منها ما يعرف بـ«ائتلاف دعم مصر» وهو «جماعة سياسية» تؤيد السياسات التى تتبعها الحكومة القائمة.. دون أن تلعب أى دور فى رسم هذه السياسات أو فى الرقابة على تنفيذها.. مما دفعها للاعتماد- بالدرجة الأولى- على أجهزة الإعلام، فى حشد المواطنين حول تأييد هذه السياسات، وأسفر عن وقوع أشكال متعددة من الصدامات بين هذه الأجهزة وبين الأحزاب التى يتكون منها «ائتلاف دعم مصر».. ودفع رئيس مجلس النواب، فى حواره مع «الأهرام» إلى الإلحاح على تكرار نقده لأجهزة الإعلام، لأنها فى رأيه- تركز على سلبيات أداء النواب، وليس على إيجابيات الدور العام الذى يقوم به المجلس ككل، وهو ما اعتبره «د. عبدالعال» جانبا من المؤامرة التى استهدفت- منذ البداية- منع تشكيل البرلمان، والمحاولات التى جرت لإضعافه، وإظهاره بمظهر سلبى، والسعى للفصل بين المجلس وبين الشارع. وقاده- فى الحوار نفسه- إلى الإشارة إلى ظاهرة تزويغ بعض النواب، من حضور بعض الجلسات مما يؤدى إلى تأخر انعقادها، ويعطل- بالتالى- سير البرلمان، ويؤدى إلى عدم إنجاز الأداء البرلمانى، أما وقد نبه رئيس المجلس أكثر من مرة إلى تكرار ظاهرة التزويغ وشيوعه، فقد أشار بوضوح، فى حواره مع الأهرام، إلى أنه سيطبق اللائحة مع بداية دور الانعقاد الثالث، وهو ما يعنى توقيع عقوبات تأديبية على النواب الذين لا ينتظمون فى متابعة الجلسات.

ما لم يقله د. على عبدالعال، فى حواره مع «الأهرام»، هو أن تركيبة مجلس النواب من أعضاء ينتمون إلى ما يوصف بأنه ائتلاف من العناصر المستقلة، وآخرين ينتمون إلى ائتلاف من الأحزاب السياسية، يؤدى فى النهاية إلى تركيب مشوه يصعب، بل يستحيل، أن يتوصل المشاركون فيه إلى حد أدنى مشترك من الرؤية السياسية يجمع بينهم، حول أى سياسة أو أى قانون، أو أى شخص، وأن مشكلة مجلس النواب الحقيقية، لا تكمن فى أنه أول مجلس نيابى، منذ تشكل مجلس شورى النواب عام 1866؟ يضم ممثلين لـ19 حزباً سياسياً، نصفهم- تقريباً- من المستقلين، النصف الآخر من الحزبيين، بل تكمن فى أنه يتركب من نواب لا يعرف أحد- على وجه التحديد- طبيعة المصالح السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى تجمع بينهم وتغريهم بالتصويت مع أو ضد قانون ما، أو سياسة ما.

ولو أنصف «د. على عبدالعال» لأدرك أن الأوان قد آن مع افتتاح الدورة البرلمانية الثالثة لمجلس النواب، لكى يعقد سلسلة اجتماعات مغلقة، للحوار بين أعضائه، حول أوضاعه الداخلية، ولو أنه فعل لأدرك أن مشكلته لا تكمن فقط فى الأزمات الدورية، التى تقع بينه وبين أجهزة الإعلام، وتسفر فى كل مرة عن إغلاق برنامج تليفزيونى، أو رحيل مذيع، ولاكتشف أنه لا توجد هناك مؤامرة تسعى لإفشال المجلس أو الفصل بينه وبين الشارع، أو لتصدير صورة سلبية عنه للرأى العام فى الداخل والخارج، لأدرك أن مشكلة المجلس تأتى من داخله لا من خارجه، وأنها تصدر عن هؤلاء الذين توهموا منذ اللحظة الأولى لثورة 25 يناير أن باستطاعتهم أن يصطنعوا ديمقراطية بلا أحزاب سياسية، وأن يؤسسوا جبهات وائتلافات، مستقلين عن الأحزاب، وأن يجروا انتخابات عامة من دون أن يخوضها متنافسون.

لو أن د. على عبدالعال توصل خلال هذا البحث عن أصل المشكلة لاكتشف بسهولة شديدة طرف الخيط الذى يقوده للحل!.

التعليقات