مرة واحد حشّاش

فى تاريخنا الحديث كان للحشيش قصص وحكايات لا تنتهى، الروائى الراحل عبدالمنعم شميس واحد ممن التفتوا إلى التأريخ لأوضاع الحشيش والحشاشين فى مصر، خلال القرن الماضى، يقول فى كتابه «مقاهى الفن والأدب»: «الحشيش والأفيون كانا من المخدرات المعروفة فى مصر قبل ظهور الكوكايين فى الحرب العالمية الأولى، واعتقد بعض المصريين أن الحشيش ليس محرماً مثل الخمر، ولا أدرى من الذى أفتاهم بذلك، ولم تكن عقوبة تحريم الحشيش من العقوبات الجسيمة فى الجيل الماضى، بل كان يكتفى بإغلاق المقهى الذى يقدمه للزبائن لمدة محدودة، كما كان للحشاشين أماكن خاصة يجتمعون فيها، ويطلقون عليها اسم غرزة، وهى مكان حقير لتدخين الحشيش، أما الأفيون فقد كان مباحاً فى الجيل الماضى، وكان يباع فى بعض الدكاكين الصغيرة، وقد شاهدت دكاناً منها فى عابدين، وكان صاحب الدكان يزنه بميزان صغير جميل مثل ميزان الذهب، وكانوا يستخدمونه فى علاج بعض الأمراض على أنه من الأدوية الشعبية، كما كان الأفيونجية يستخدمونه كمخدر».

ثمة نظرة إلى المخدرات ترى أن «الحشيش والأفيون» هى مخدرات مصرية أصيلة، وأن ما عداها من مخدرات ثقيلة مثل الكوكايين أدخلها الغرب إلى مصر بهدف هدم صحة وعقل المصريين، فعبدالمنعم شميس يشير إلى أن «الكوكايين» دخل مصر وهى ترزح تحت نير الاحتلال الإنجليزى. ولو أنك راجعت مذكرات الفنان إسماعيل ياسين، التى تحولت بعد ذلك إلى مسلسل إذاعى قام ببطولته الفنان إسماعيل ياسين، وكتبه رفيق عمره السيناريست أبوالسعود الإبيارى، فسوف تجد مسمعاً يتحدث فيه إسماعيل ياسين عن تعاطى أبيه لمخدر الكوكايين الذى جلبه الاستعمار حتى يغيّب المصريين عن واقعهم المرير (المسلسل أنتج بعد ثورة يوليو 1952)، فكرة توظيف الآخر المستعمر للمخدرات بهدف إلهاء المصريين هى الفكرة الأم التى تتفق عليها أغلب الكتابات والآراء المفسرة لشيوع المخدرات بين أوساط المصريين، يستثنى من ذلك بالطبع مخدر «الحشيش» الذى يثبت البحث التاريخى أنه كان أسبق لدخول مصر قبل الإنجليز.

ثمة مسألة أخرى تتعلق بإحساس عام لدى المصريين -يشير إليه «شميس»- بأن الحشيش، استثناءً بين كل أنواع المخدرات- حلال، ولا يصيب متعاطيه أى «حرمة»، ويبدو أن مسألة التحليل تستند إلى النظر إلى الحشيش كنبات طبيعى خلقه الله للإنسان، ولا يوجد نص صريح بتحريمه، سواء فى القرآن أو السنة، كما هو الحال فى الخمر، بل وقد تجد البعض يتوقف أمام بعض الآيات التى تشير إلى وجود منافع فى «شرب الخمر»،

مثل الآية التى تقول: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا»، والآية التى تقول: «وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً»، فى كل الأحوال يفرق أغلب المصريين بين الحشيش والخمر، فيحلون الأول ويحرمون الثانية.

المسألة الثالثة التى تستوجب النظر فيما كتبه عبدالمنعم شميس تتعلق بالتداوى بالأفيون، ويبدو أنها كانت عادة شائعة لدى المصريين خلال القرن الماضى، يحكى «شميس» فى كتاب آخر له عنوانه «حرافيش القاهرة» أنه لما كان طفلاً، اشتكى جده ذات يوم من صداع عنيف، فأرسلته جدته إلى أحد الدكاكين ليبتاع منها قطعة «أفيون» وبعد أن أحضرها، أمسكت بها الجدة، وقطعتها إلى جزءين، ووضعت كل جزء فى نصف ليمونة، ثم أدفأتها على «سبرتاية»، وعصبت الجد بنصفى الليمونة المطعمة بالأفيون عن يمين وشمال رأسه، فاستفاق الجد ونشط، وعاد إلى حالته الطبيعية.

التعليقات