أعداء الحياة

للمرة الأولى فى تاريخ مصر الحديث تستهدف جماعات تكفيرية مسجداً من المساجد المصرية، والاستهداف تم وفق تخطيط شيطانى، حيث جرى دراسة الموقف جيداً، وتم إعداد خطة خداع لاستهداف أكبر عدد ممكن من المصلين، تفجير فى الداخل أثناء الصلاة، فيهرول العدد الأكبر من المصلين إلى الخارج، حيث يوجد عشرات التكفيريين المسلحين بالأسلحة الآلية، ومن ثم يجرى فتح النيران على التجمعات بشكل عشوائى، والهدف قتل أكبر عدد ممكن من المصلين، وهو ما حدث بالفعل فى جريمة يندى لها جبين الإنسانية، سببت صدمة شديدة للمصريين جميعاً، وصدمة للعالم عندما عرف تفاصيل هذه الجريمة النكراء، مواطنون بين يدى الخالق يصلون فرضاً من فروض دينهم، فتأتى جماعة تكفيرية، تكفر الجميع، تكفر المغاير الدينى وتبيح قتله، والمغاير الطائفى، وتستحل قتله وأمواله، ولأننا تساهلنا فى مصر مع عملية التكفير والدعاء على المغاير أن يشتت الله شمله وييتم أولاده ويرمل نساءه، فالنتيجة المنطقية هى التوسع فى التكفير حتى يطول المجتمع كله بمن فيه مسلموه، ويصبح قتلهم أمراً مبرراً. كنا حتى الأمس القريب نسمح للتكفيريين، أمثال عبدالله رشدى وسالم عبدالجليل، بالظهور فى الفضائيات المصرية بمخاطبة المصريين والإعلان صراحة عن كفر الأقباط والشيعة، ثم تكفير من لا يسير وفق تعليماتهم المستمدة من كتابات ابن تيمية، وأبوالأعلى المودودى وسيد قطب، وأفكار التكفيريين الذين يجاهرون بكفر المصريين ككل. تركنا مناهج التعليم متخمة بأفكار تكفيرية ودعوات لمقاطعة المغاير الدينى والطائفى وتجنبه والتعامل معه باعتباره فى مرتبة أدنى من الإنسان، تركنا مواد اللغة العربية تتحول إلى مواد دينية ونختار من يحط من قدر المغاير الدينى والطائفى، نلعنه ونسبّه، فأشعرناه بالاغتراب فى وطنه، ولأسباب سياسية انتهازية، قام الساسة بتديين المجال العام وأغرقوا فى خلط الدين بالسياسة، واحتاج السياسى باستمرار إلى رجل الدين، كى يخدر له الشعب ويجعله كالمطية الخانعة، فرجل الدين وجد فى العلاقة مع الحاكم مصدراً من مصادر السلطة والنفوذ إلى درجة التحصن فى مواجهة الحاكم نفسه، بل إن الحاكم يعجز عادة فى الدول التى تخلط الدين بالسياسة عن فرض رؤيته ووجهة نظره على رجل الدين.

لقد وضعنا بذور التطرف والتشدد فى أرض بلادنا الطيبة، فأثمرت حسكاً وشوكاً وأسقطت ثماراً مُرة فوق رؤوس المغايرين دينياً وطائفياً، وصورت أجهزة ومؤسسات الدولة للعامة أن هذا الأمر مقصور على المغاير دينياً وطائفياً، وهو تصور خاطئ، بل ومخادع، فالتكفير لا حدود له، والمقدس يمكن أن ينتهك بسهولة، وهو ما حدث بالفعل فى جريمة مسجد الروضة بمدينة بئر العبد، تلك الجريمة التى صدمت العالم أجمع ودفعت فرنسا إلى إطفاء أنوار برج إيفل تضامناً مع الضحايا.

إذا أردنا بالفعل أن نواجه الإرهاب والتكفير فى مجتمعنا، فعلينا أن نمتلك شجاعة وضع أساس دولة مدنية حديثة، تفصل بين الدين والسياسة، تنهض على المواطنة والمساواة وعدم التمييز، نقلص تماماً من التعليم الدينى ونجعله مقصوراً على العلوم الشرعية كما كان، نطهر الإعلام من الكذبة والمخادعين والمتاجرين، فكيف والدماء لم تجف بعد تخرج مذيعة وتقول: قتل ضباط شرطة وجيش: ماشى، تفجير كنائس وقتل مسيحيين: ماشى، لكن قتل مسلمين يصلون فى المسجد: لأ!!!!

راجعوا الموقف سريعاً، اضبطوا الخطاب الدينى، والخطاب الإعلامى، امنعوا الوجوه الغبراء الأشبه بالغربان من الظهور، ثم راجعوا مناهج التعليم فوراً وأرسوا الأساس لتعليم مدنى يرقى من قيمة حرية الفكر ويرسخ قيمة الإنسان كإنسان.
 

التعليقات